إذا أردت قتل الحقيقة في أمر ما فاعتمد التعميم والتعويم والصّخب، وهو ما ينطبق على الجريمة المنظمة التي اقترفها النظام المصري ضد البعثة الرسمية الجزائرية يوم 12 نوفمبر 2009 والتي نزلت مطار القاهرة وفي صفوفها عناصر المنتخب الجزائري لكرة القدم ورئيس الاتحادية الجزائرية محمد روراوة ووزير الشباب والرياضة الهاشمي جيار، وقد التقطت كاميرا التلفزيون الفرنسي ''كنال +'' اعتداء المصريين بالحجارة الكبيرة على حافلة البعثة الرسمية ومن حولها رجال الأمن المصري، الذين لم يحرّكوا ساكنا، وكانت الفضائيات المصرية الخاصة والرسمية في مصر قد دعت جماهير كرة القدم في مصر إلى ممارسة هذا الاعتداء بصريح العبارة والشواهد موجودة في أرشيف الإعلام، كما كان قبل ذلك رئيس الاتحاد المصري سمير زاهر قد قال قبل أيام الجريمة أيضا: لابد من ترهيب الجزائريين وقمعهم في مصر، وقبل ذلك بأشهر وبالضبط في مقابلة الذهاب التي احتضنتها الجزائر نقلت فضائيات العالم وتقارير الاتحاد الدولي لكرة القدم ''فيفا''، حسن استقبال الجزائريين للبعثة المصرية بالدليل والحجة الموثّقة أيضا. على إثر اعتداء النظام المصري على البعثة الجزائرية الرسمية في القاهرة وإلحاق الضرر الجسماني ببعض لاعبي المنتخب الجزائري، سارعت الآلة الإعلامية المصرية ومن ورائها لحسن حظ الضمير الإنساني الحي في المعمورة النخب الفنية والثقافية والسياسية ومنها ابنا الحاكم المصري حسني مبارك إلى اقتراف جرائم لا أخلاقية أخرى لا تقرّها القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، ومن ذلك فبركة سيناريوهات تلفيقية تدين الجزائريين وتجرّمهم وتصفهم بأقبح الأوصاف، وتم نشرها في الفضائيات المصرية بطرق مفضوحة وممجوجة، لا تمت بصلة للاحترافية وتنم عن نوايا خبيثة تدور داخل أروقة نظام حسني مبارك، تتعلّق بقصة توريث ابنه الحكم بكل وسيلة مهما كانت ولو على حساب الإرث التاريخي بين الجزائر ومصر. الغريب في مسلسل الجريمة المصرية ضد الجزائر، هو التعميم الخطير الذي وقع فيه أكبر المحللين والكتاب العرب الذين كان الشارع العربي يعتقد فيهم العقل والعلم المنهجي والإنصاف، فلم نسمع منهم إلا شعاراتهم القديمة القائلة بوجود مؤامرة ضد الشعبين الجزائري والمصري واتهام غير علمي وغير مؤسس منطقيا من حيث كان لابد من ذلك، بدل أن نسمع مثلا من قلم صحفي عربي شهير هو الأستاذ عبد الباري عطوان في حصة لقناة الحوار بثت مساء الأحد 29 نوفمبر 2009 وهو يتحدث في عمومية قاتلة عن ضرورة التهدئة لتفويت الفرصة على تيار التفرعن في مصر وتيار الفرانكفونية في الجزائر، لأنهما حسب اعتقاده هما من يقف وراء التفرقة بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمصري، وإن كان كلام الأستاذ عطوان له تبريراته العاطفية والقومية التي سئمتها الأجيال العربية، كما سمعنا أيضا كلام الكاتب والمحلل السياسي جهاد الخازن وهو يتحامل على الجزائر ويحمّلها نفس المسؤولية في الأحداث المخزية مع مصر، وكان من العقل الراشد أن نستمع إلى تحليل الأحداث تحليلا موضوعيا خاليا من أيديولوجيا الكراسي ونجومية استوديوهات الفضائيات العربية، التي أصبح واضحا أنها كشفت للشارع العربي بكل فئاته هشاشة أهل الفكر والثقافة والسياسة والإعلام، رغم بعض نقائصها المهنية في تعرية كل الحقيقة، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، ليس هذا المقال مقاما للتطرق إليها. أريد أن أنبّه إلى أن الواقع المعاصر في العالم يفرض على الجميع التفكير العلمي البحت والدقة في معالجة القضايا، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، لذلك أقول إلى من سارعوا إلى التخفّي وراء قناع التهدئة بين الجزائر ومصر، في الوقت ما بعد الضّائع، إنكم تغتالون العقل بأسلحة تقليدية أكل عليها الدّهر وشرب، بل إنكم تمنّون أنفسكم بأوهام خيالية لا ترقى إلى متطلبات المستقبل العربي في علاقات الاحترام والتقدير المتبادل الذي تتطلع إليه الشعوب العربية، في ظل منظومات عالمية متسارعة في النّضج والتجدّد، لذلك فإن أفضل مخرج للجريمة المصريةاتحاد الدولي لكرة القدم سيطبّق لوائحه وقوانينه الضابطة للعبة وممارسة الرياضة، حتى لا يعاود أي سياسي الانزلاق في المستطيل الأخضر الذي هو خاص بلاعبي كرة القدم فقط وتصيبه حماقة الاستبداد على شعبه الفقير، ليحكمه بقوة الردع والبوليس، على حساب بروتوكول الضيافة الدولية والإساءة لتاريخ ولرموز دولة أخرى هي الجزائر هذه المرة - ثم يعمّق استبداده بالتوريث، عن طريق ثقافة القطيع المنتشرة كالسرطان في جسم أغلب الأنظمة المتخلّفة في العالم.