إليكم أفضل سبب لمتابعة بطولة كأس العالم لكرة القدم التي جري المرة الأخيرة في ألمانيا، وهي فكرة أن كرة القدم هي رياضة العالم الوحيدة التي أثبتت امتلاكها القدرة على إحلال السلام وإشعال الحروب وتغيير الأمزجة الوطنية وتحريك الأسواق. وإذا كنتم لا تصدقون ذلك، فإن لكم أن تعودوا إلى عام ,1914 عندما أوقف البريطانيون والالمان القتال خلال هدنة عيد الميلاد لمتابعة مباراة بين فريقي ''فريتز وتوم'' عبر الخنادق. وقد كسبت ألمانيا المباراة، ولو لم تكسب الحرب، بثلاثة أهداف لهدفين. كما أدت أعمال شغب خلال مباراة بين الهندوراس والسلفادور الى اندلاع ''حرب كرة قدم'' بين البلدين لمدة مائة ساعة بعد أسبوعين من المباراة، مما أسفر عن سقوط 2000 ضحية. وفي هذه السنة ,2006 جمع تأهل ساحل العاج لبطولة كأس العالم الفصائل سوية، ما ساعد في وضع حد لثلاث سنوات من الحرب الأهلية. غير ان رجال الميليشيات الإسلامية في الصومال، والذين يسيطرون على العاصمة الصومالية فرضوا حظرا إعلاميا على مشاهدة مباريات كأس العالم عبر قطع الكهرباء عن دور السينما المتنقلة وإطلاق النار لتفريق الحشود. ولمتتبعي أوضاع الأسواق، فقط أظهرت دراسة أكاديمية جديدة أن مباريات التصفية في كأس العالم تكلف البلد الخاسر في المعدل فقدان نصف نقطة في المئة من قيمة سوق بورصته في اليوم التالي. ويقول واضعو الدراسة أن من يفوز ومن يخسر ''يمكن أن يوجهوا أسعار الأسهم على المدى القصير، وهو ما لا يمكن تفسيره سوى على أنه نتاج لتحولات الأمزجة الوطنية، وليس الثوابت الاقتصادية الأساسيةس. في عصر العولمة، أصبح كأس العالم يعظم من سلطة كرة القدم الفريدة من نوعها، والتي يجري نقلها بالتزامن في كل مكان بدءا من شاشات العرض الكبيرة في الحانات الانجليزية إلى الشاشات الأصغر بكثير في الهواتف الخليوية في غانا. وكانت المباراة النهائية لكأس العالم عام 2002 في اليابان بين البرازيل والمانيا قد شوهدت من قبل بليون مشاهد. وللمقارنة فإن المباراة النهائية في لعبة البيسبول في السنة الماضية 2005 التي نظمت في اطار ''وورلد سيريز'' في الولاياتالمتحدة قد حظيت بمشاهدة أربعين مليون مشاهد. وعليه، وفي حين أن معظم الجماهير ستشجع فرقها المفضلة، فإنه لا ينبغي لكم التغاضي عن التبعات السياسية والاقتصادية. ان الزعيم الوطني المعني أكثر ما يكون بهذا الحدث مونديال ألمانيا 2006 هو المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، حيث كانت كرة القدم علامة تاريخي، حيث كان أول فوز لألمانيا في بطولة كأس العالم في سويسرا عام 1954 قد أشر على إعادة نهوض البلد المهزوم في الحرب. كما أن فوز ألمانيا في أراضيها على هولندا عام 1974 اظهر صعود ثقة البلد بنفسه. وكان فوزها على الأرجنتين في لقب البطولة عام 1990 في ايطاليا مؤشراً على نشوة إعادة التوحيد. ويأمل حلفاء السيدة ميركل ومساعدوها بأن تمكن ضيافة ألمانية جيدة لكأس العالم من ضبط العنف والعنصرية اللذين عصفا بكرة القدم في العقد الماضي، كما ستساعد ألمانيا في الخروج من أكثر من عقد من الركود الاقتصادي. وهم يأملون بان تساعد المباريات السيدة ميركل في تعزيز شعبيتها وفي تحويل ذلك الى اصلاحات صحية وعمالية والى زعامة اوروبية. ثمة مشكلة واحدة فقط تصاحب ذلك، فعلى الرغم من فوزه في المباراة الافتتاحية ضد كوستاريكا، فإن الفريق الألماني لا يزال يبدو باهتاً في البطولة مثلما هي أرقام النمو في البلاد. وهو ما قد يجعل السيدة ميركيل تجد نفسها مضطرة الى الاعتماد على اثر استضافة البطولة اكثر من الفوز ما لم يثبت الفريق الالماني انه اسيء تقديره كما اسيء تقدير السيدة ميركل نفسها. أما الشخص الذي يحتل المرتبة الثانية على قائمة التداعيات السياسية لكأس العالم، فهو الزعيم الإيراني محمود احمدي نجاد الذي يشارك فريق بلاده للمرة الثالثة في بطولة كأس العالم .2006 وقد ظل التركيز منصباً على جهود ألمانيا ''الناجحة حتى الآن'' في ثني السيد احمدي نجاد عن الحضور على ضوء السخط الذي كانت قد ولدته دعوته لمحو اسرائيل من خريطة العالم وانكاره وقوع الهولوكست -المحرقة- ضد اليهود على يد النازيين. لكن ثمة ما هو اكثر بالنسبة للفريق الإيراني من موضوع مباراة. إذ أن أعمال الشغب التي شهدتها ايران في تشرين الاول -اكتوبر- 2001 بعد هزيمة الفريق الإيراني على يد الفريق البحريني بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد في مباراة للتأهل لكأس العالم مثلت أضخم اضطراب جماهيري شهدته البلاد منذ عام .1979 وقد عمدت قوات الأمن الإيراني في حينه الى التنكيل بآلاف الشباب الايراني بعد ان لاحظت ان خطراً سياسياً يكمن في احتجاجاتهم. وبعد يوم واحد، يبدو ان الزعماء الايرانيين غيروا نواياهم وقدموا كعكة ضخمة لجماهير طهران بعد ان أبقت ايران على آمالها بالمشاركة في كأس العالم اثر فوزها على فريق الإمارات العربية المتحدة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء. ولإدراكه الاهمية السياسية لكرة القدم، امضي السيد احمدي نجاد بعض الوقت مع الفريق الإيراني في معسكر للتدريب. أما الشيء الأهم، فقد تمثل في رفع الرئيس الإيراني، وضد رغبة الزعماء الدينيين، حظرا كان مفروضا على حضور النساء لمباريات كرة القدم في إيران، من أجل تعزيز الشعور الوطني مع اقتراب كأس العالم. اما اولئك الذين يبدون اهتماما اكبر بتأثير كأس العالم على السوق، فبإمكانهم ان يقرأوا دراسة من إعداد اليك ارمانز من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا في دييغو غارسيا في كلية واتماوث واويفيند نورلي من كلية الادارة النرويجية. حيث وجد ان خسارة مباراة في كأس العالم تتسبب في تدن كبير في السوق في اليوم التالي. اما الفوز فلا يؤدي الا الى فائدة قليلة نظرا لأن الجهات الوطنية الداعمة تستثمر كما يبدو فوز فريقها. وهكذا، فإن هذه هي استراتيجية كأس العالم: اختر مباراة يكون فيها الفريق المرجح الخسارة لمباراة كبيرة فريقاً لبلد تحكمه مشاعر وطنية كبيرة في كرة القدم وعنده ملكية اسهم واسعة. وطبقا لما يقوله واضع الدراسة، فان ''المستقبل القصير على فهارس كلا البلدين'' من أجل الحصول على اقصى عائد من اللاتماثل الذي يتلقاه الخاسرون تحقق ضربة بشكل أكبر مما يحققه الفائزون من فائدة''. وول ستريت جورنال