ناقش الكثير من المختصين منذ اكتشاف وسائل الإعلام الجماهيرية الأثر الذي تتركه هذه الوسائل على المتلقين لمحتوياتها، واختلفوا في تحديد حقيقة هذا التأثير وما إذا كان للمشاهد دور فيه باستعداده لاستهلاك الرسائل الإعلامية. وخلص البعض إلى أن هذه الوسائل بمختلف أنواعها تكتفي في أغلب الأحيان في طرحها للقضايا الكبرى بتغليب الرأي الغالب والتأسيس لنقل صورة السائد وتحتيم فكرة الجاهز، بدعوى أن مسايرة التيار أسهل على الإطلاق من معارضته . ولعل تجربة حملة التكثيف الإعلامي المصري على الجزائر و قبلها حملات متعاقبة كان ''ضحيتها'' كثير من الدول العربية والإسلامية توفر مادة تطبيقية لاستخلاص دروس أساسية في صياغة وتسويق الرسائل الإعلامية حتى نتفادى الفشل الذر يع الذي انتهت إليه كل تلك الحملات لاعتبارين مهمين: أولهما: إن وسائل الإعلام المصرية التي تفتقر دائما لفكرة هدف معين تود تحقيقه بخطوات وتناسق عقلي معين، من خلال الحملة الإعلامية الموجهة ضد حكومة أو شعب بلد ما، لأنها دائما تباشر هذه الحملات كرد فعل عاطفي يجعل خطاباتها تتخبط في التناقضات التي تأخذ المتلقي المفترض إلى تشكيل فكرة مخالفة تماما لما تريد هذه الوسائل إبرازه في خضم مهاتراتها غير المنطقية. ثانيهما: الحكومات والشعوب التي تعرضت لتكثيف وتركيز إعلامي مصري سواء كان مسموعا، مكتوبا أو مرئيا استفادت بشكل مباشر وغير مباشر من ترسيخ الصورة النمطية التي تشكلت حولها عبر العصور والمخالفة لما تريد هذه الحملات ترويجه، وتكون قد خدمت الوجه الإعلامي للضحايا وأبرزت محاسنه في الوقت الذي أرادت الإضرار به. لقد توصل الكثير من أصدقائي من الوسط الأدبي والإعلامي الذين زاروا بلدانا عربية وأجنبية وعادوا منها بعد الحملة الإعلامية المصرية إلى اكتشاف مفاده أن متلقي الرسائل الإعلامية الهادفة لتشويه ''صورة'' الجزائري لم تزدهم إلا تمسكا بالصورة التي يملكونها مسبقا في مخيالهم للجزائري، والتي تناقض تماما مهاترات الحملة المصرية غير المنطقية فقد تحققت بفضل التركيز على الجزائر والجزائريين إحالة المتلقين على التزود من مخزونهم المعرفي الشخصي حول الجزائر والذي غذته انتصارات الثورة التاريخية وانتصارات أخرى متتالية على أكثر من صعيد، وأكدته مواقف الجزائر الثابتة حكومة وشعبا تجاه القضايا العربية والإفريقية وحتى الدولية العادلة. وأمام هذه الصورة المشرفة التي ورثنا نحن أجيال الجزائر الحالية أفضالها دون أن نتساءل حقا عن مدى إسهامنا الفعلي في استمرارها والمحافظة عليها وتلميعها فقد وضعتنا الحملة الإعلامية المصرية في رواق رائع نحو تقديم الصورة اللامعة فهل نحن في مستوى هذا التحدي؟ هل استثمرت وسائل الإعلام الجزائرية في حالة ''الوحدة'' التي رافقت الفرحة بالتفوق الرياضي الجزائري لتقريب هذا الشعب من الأشقاء في المغرب العربي بنقل مهرجانات الأفراح التي طغت على شوارع تونس وطرابلس والدار البيضاء والخرطوم ونواقشط ، واستثمرت المؤسسات هذا التلاحم في التفكير الجدي في خيار الوحدة الاقتصادية الذي بات حتمية إستراتيجية في ضل التكتلات العالمية والجهوية؟ هل استثمر الإعلام الجزائري المسموع والمرئي والمكتوب في مشاعر الإكبار والأخوة التي طفت وطغت على كل قلوب الأشقاء العرب، وأفرزتها تعليقات المثقفين والكتاب والفنانين الحقيقيين وحتى البسطاء من المواطنين، وقدم طبقا يليق بترسيخ صورة الإكبار عن طريق تقديم الوجه المشرف للسياحة والضيافة والكرم الجزائري؟ الحقيقة أن الإعلام المصري أحسن للجزائر من حيث أراد الإساءة لها، فقد استثمر بغباء في نقل صورة سطحية نمطية لا تختلف حتما عن الخزعبلات التي تستعملها بعض و سائل الإعلام المصرية المغرضة لحشو بعض مواطنيهم كالمخدرات ثم تقديم الجزائري عبرها على أنه ''فوضوي'' و''همجي'' ولا يتسم ''بالروح الرياضية'' ودفع العرب الذين تعرضوا لهذه الرسائل الإعلامية للالتفاف حول تصورهم الذاتي للجزائري. لقد حانت ساعة مواجهة حقيقتنا الإعلامية في عالم تحكمه الصورة، وبات ضروريا أكثر من أي وقت مضى التفكير في إنشاء قنوات تلفزيونية بغض النظر عن كونها عمومية أو خاصة، تكون بمثابة الحارس الأمين للموقع الذي يتبوؤه الجزائري في المخيال العربي وتكون من جهة أخرى المرآة العاكسة للجزائر الحقيقية التي نجحت في البقاء نقية ولامعة باحترافية بعض ساستها وبعض إعلامييها ...