الممارسة ضرورة اكتساب أية تقنية أو أية موهبة، وفن العيش يمكن أن يتعلمه المرء دون تمرين، بل يجب اعتباره تعليما ذاتيا.. هذا في نظر الفيلسوف فوكو الذي برع في ربط الكتابة بالأخلاق، ما أولته المدارس الفلسفية ولزمن طويل اهتماما كبيرا من بين أشكال هذا التدريب الكتابة أي فعل الكتابة للذات وللآخرين.. وفي كتاب:''هم الحقيقة'' يقر الفيلسوف فوكو بأن الابتكار الثقافي ممتع، لذة الذات وحدها يمكنها أن تأخذ شكلا ثقافيا، تماما كلذة الموسيقى، فالأمر يتعلق بشيء جد مختلف حسبه عما يسمى بالمصلحة والأنانية: مهم أن نرى كيف تم اقتراح وترسيخ أخلاق كاملة عن المصلحة وكيف شكلت حياة الفنان والتأنق جماليات أخرى للوجود معارضة لتقنيات الذات التي كانت مميزة للثقافة البورجوازية. فوكو لا يظن أن ثقافة الذات قد تم ابتلاعها أو خنقها ويؤكد على ضرورة إنجاز تاريخ عن تقنيات الذات وعن جماليات الوجود في العالم الحديث، ''لقد تعودنا أن نؤرخ للوجود البشري انطلاقا من شروطه، أو أن نبحث أيضا ضمن هذا الوجود عما يمكن أن يسمح بالكشف عن تطور سيكولوجية تاريخية، لكن يبدو لي ممكنا كذلك أن نؤرخ للوجود باعتباره فنا وأسلوبا، فالوجود هو المادة الخام الأهش للفن البشري لكنه أيضا معطاه الأكثر مباشرة في نص ''بوركهارت'' حول جمالية الوجود مجد البطل هو الأثر الفني لذاته والفكرة القائلة انه بإمكاننا أن نصنع من حياتنا أثرا فنيا يراها فوكو فكرة غبية بلا منازع عن العصور الوسطى، ولم تظهر من جديد إلا في عصر النهضة .. أدب الأنا شغل فوكو وقال عنه ''إننا لن نعرف كيف نفهم كل هذا الأدب المسمى''مذكرات حميمة أو قصص عن الذات'' لا بد من موضعته في الإطار العام الغني جدا بممارسات الذات '' فالناس يكتبون عن أنفسهم منذ ألفي سنة، لكن ليس بنفس الطريقة، هناك علاقة بين الكتابة وبين القصة عن الذات لاعتبارها ظاهرة خاصة بالحداثة الأوربية، لا يكفي إذن أن نقول بأن الذات قد تكونت داخل نظام رمزي، لقد تكونت داخل ممارسات واقعية ،ممارسات قابلة للتحليل تاريخيا.