انتهى الروائي الجزائري واسيني الأعرج من وضع لمساته الأخيرة على الجزء الثاني من روايته ''الأمير''. يأتي الجزء الثاني من الكتاب بعد أن صدر الجزء الأول منه عن دار الآداب اللبنانية العام 2005 وأعيد طبعه العام الماضي تحت عنوان ''كتاب الأمير.. مسالك أبواب الحديد''. يعمل الروائي ضمن بنائه لأحداث روايته ''الأمير'' كما جاء في جزئها الأول على إعادة بناء التاريخ الصامت للأمير عبد القادر الجزائري الذي قام بمقارعة الاستعمار الفرنسي، لينفى إلى فرنسا لفترة طويلة ثم يتم ترحيله لاحقاً إلى المشرق العربي تنفيذاً لاتفاق عقده مع الحكومة الفرنسية التي تلكأت في تنفيذه طويلاً. يحاور العمل أكثر من منطقة، معيدا الاعتبار إلى الدور التاريخي الذي قام به الأمير عبد القادر الجزائري في دفاعه عن الجزائر، ويقدّم مشهداً واسعاً للجزائر قبل الاستعمار، وما خلّفته التركة العثمانية الثقيلة من سوء إدارة، وجهل، ومجموعة علاقات بدائية بين القبائل، ودولة مهدمة حاول الأمير إعادة بنائها قبل أن يفاجئه الفرنسيون بخططهم الاستعمارية. تتنقل الرواية عبر أكثر من محطة لترصد تحولات حياة الأمير أثناء قيادته مهمة مقاومة الفرنسيين والمحافظة على دولة تتنقل مع الخيام التي يحملها في حراكه المستمر في أرجاء الجزائر بعدما دمر الفرنسيون عواصمه واحدة تلو الأخرى، وينكشف عبر الرواية شكل الدولة الجزائرية التي كان الأمير يريد إقامتها. وتأتي تجربة واسيني الأعرج وهي الثانية من نوعها التي تصب في نمط الروايات التاريخية، لتؤكد العلاقة الوطيدة بين التاريخ والرواية وموضحة بان مشكلة التاريخ تَتمثل في علاقته بالرواية من زاوية انه يخرّب المناطق المفتوحة للتخيل ويلجمها في إطار المصداقية التاريخية، ليصبح من أولويات الكتابات الروائية التاريخية فتح منافذ صغيرة تتسرب منها نحو إعادة بناء الحدث التاريخي ضمن المعطيات الصحيحة، مع تسليط الضوء على كل ما هو معتم فيه. وعليه يكون إنقاذ الرواية من جمود الرواية التاريخية عبر منحها صيغة أكثر مرونة لما تريد اقتناصه من هذا الحدث التاريخي. وعندما يفعل الروائي ذلك فإنه يضع تجربته أمام اختبار أساسي، وهو بناء رواية غير مناهضة للصدفية التاريخية ولا تقع أيضاً في صرامتها.