ما أصعب على المرء أن يأكله وباء النسيان، في هذا الزمن الذي يطمع فيه الواحد منا على البحث حتى عن عيد ميلاده في غوغل، فلقد تغوغلت حياتنا رأسا على عقب، لم أعد أستحضر رقم هاتف أعز الناس مثلا لأنه بكل بساطة موجود في مفكرة المحمول، الحمد لله على أني لازلت أذكر عيد ميلادي لأنه ببساطة يفكرني على الدوام بما فعلته السنون بي. بالأمس القريب فقط، كان لي الشرف أن أشارك في ميلاد يومية الحوار، لأضيفها كرقم إضافي في أجندة المواليد الإعلامية التي شهدت ميلادها وساهمت بالنزر القليل في ذلك، الحوار التي عرفتني بأعز الأصدقاء ممن لم تتح لي الظروف أن أعمل معهم، كانت أحسن منزل لازلت أزوره على الدوام متفقدا (أبنائي) وزملائي. تفاجأت وأحسست بخيبة، لأن الدهر قد قهر ذاكرتي، عندما زرت الزملاء في مقر الحوار بالصدفة، وأخبرت بأن زيارتي تزامنت مع الذكرى الثالثة لميلاد الحوار، فخجلت من تآكل الذاكرة، وعزائي فيما سمعته من العالم زويل صاحب جائزة نوبل للعلوم، الذي بشر بأن إنسان الألفية الثالثة لن يحتاج لا للحفظ ولا للذاكرة، بل انه سيستمد كل معلومات الأرض من خلال ذاكرة الكترونية كعدسات محمولة، أي أن ما نسميه'' إعلام غوغل'' الذي يسيطر حاليا، سيصبح في متناول البشر على الشيوع، وحسب نفس العالم زويل فان الرهان والفارق بين الأمم مستقبلا هو ليس في المعلومات بل في الفارق الذي يعطي الإبداع، وهو رهاننا الذي يجب أن نجعله تحديا يوميا، المهم ليس أن نكتب يوميا وبكم من المعلومات، إنما الحبكة هي في إبداع الكتابة وطريقة الكتابة، التي ينبلج منها نور التجدد المستمر.