أثار إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية لنشر درع صاروخية في أربع دول خليجية تحسبا لهجوم إيراني، وتهدئة لمخاوف الكيان الصهيوني، أثار هذا القرار الكثير من الشكوك والتساؤلات حول هذه الخطوة والتي رأى فيها بعض المراقبين أنها خطوة غير مفاجئة مع تلويح أمريكي بتشديد العقوبات على طهران بعد أن وصل الملف النووي الإيراني مع الغرب إلى طريق شبه مسدود أمام رفض إيران لاقتراح تخصيب اليورانيوم خارج البلاد. وهنا انقسمت الآراء حول هذه الخطوة التي تعيد إلى الأذهان الأزمات التي كانت تفتعلها واشنطن من خطر عراقي وشيك على دول الخليج والكيان الصهيوني قبيل غزو العراق في عام .2003 فريق يرى أن هنالك خطرا إيرانيا على المصالح الغربية في الخليج وأمن اسرائيل التي باتت في مرمى الصواريخ الإيرانية، وأن الدعم الإيراني المتواصل لحزب الله وحماس يشكل صداعا دائما لإسرائيل مع تنامي القوة الإيرانية على كافة الصعد العسكرية، ومع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي من العراق، فإن هذا يعني تمددا إيرانيا في المنطقة، وبالتالي السيطرة على أهم بقعة جغرافية تحتوي على أعلى مخزون نفطي في العالم، وهذا يشابه الهاجس الذي شكله عراق 1990 بعد غزو الكويت. ولهذا تتسارع الأحداث نحو نهاية دراماتيكية مشابهة لما جرى مع الحالة العراقية، لاسيما مع نذر صراع داخلي في إيران والاضطرابات التي شهدتها الساحة الإيرانية إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والخروج على أهم المفاهيم التي زرعها مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني والمتمثلة بولاية الولي الفقيه. في حين يرى فريق آخر أن ما يحدث الآن لايعدو عن ابتزاز تمارسه واشنطن على دول الخليج من خلال شيطنة النظام الإيراني والخطر الإيراني المحدق بتلك الدول الغنية نفطيا والضعيفة عسكريا، وبالتالي مسارعة هذه الدول لشراء السلاح الأمريكي وتنشيط الاقتصاد الأمريكي الذي مازال غارقا بالأزمة المالية الخانقة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي ووصلت تداعيات تلك الأزمة لجميع الاقتصاديات العالمية، وأن ما يحدث ليس سوى اتفاق بين واشنطنوطهران على تحريك اللعبة بأساليب مختلفة تارة بالملف النووي والصواريخ الإيرانية، وأخرى بخطر التمدد الشيعي في المنطقة. ولعل أنصار هذا الرأي لديهم مبررات متعددة ومنها مساهمة نظام إيران بإسقاط نظامي طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، وأن الحكومة العراقية الحالية المتحالفة مع واشنطن جاءت بمباركة إيرانية , وأن العراق يقع تحت احتلالين أمريكي وإيراني، وفيلق القدسالإيراني واطلاعات الايرانية لهما الدور الأكبر في العمليات القذرة التي جرت ومازالت تجري في العراق إلى جانب الموساد الصهيوني، ولعل احتلال إيران لبئر الفكة العراقي يبرهن بشكل لا يقبل الشك عن رضاء أمريكي وصمت تجاه ما يجري على حدود العراق والذي تعد حماية الإقليم العراقي من أولى تبعات المحتل حسب القانون الدولي، ولعل احتلال بئر الفكة ليس سوى مظهر بسيط طفا على السطح فقد سبق لإيران سرقة النفط العراقي بطريقة الحفر المائل ناهيك عن عمليات التهريب عبر ميناء البصرة التي يشرف عليها عمار الحكيم. فهل تحرص أمريكا على نفط الخليج ولا تحرص على نفط العراق..؟ أمام هذان الرأيين لابد من تفكيك المشهد الحالي وإعادة تركيبه ضمن السياق الطبيعي أو لنقل ضمن معايير اللعبة الدولية.. التي تقودها الآن الإدارة الأمريكية الديمقراطية برئاسة أوباما. الملاحظ أن أوباما قد ورث عن سلفه الجمهوري بوش الابن عدة أزمات ولعل أثقلها الأزمة المالية، وبالتالي لابد من تحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي، وهذا يتطلب افتعال عدد من الأزمات العالمية. ومنها أزمتان مهمتان، أزمة مع الصين، وأخرى مع إيران. أزمة الصين تكمن في تحريك الملف النائم مع الولاياتالمتحدة حول تسليح تايوان وتأييد انفصالها عن الصين, وهذا يعني إغراق المارد الأصفر في مشكلة تكون سببا في سباق تسلح لاسيما وأن الاقتصاد الصيني حقق مكاسب اقتصادية غير مسبوقة على حساب الاقتصاديات الغربية, والملاحظ أن فترة جورج بوش قد خلت من مشاكل مع الصين على عكس سلفه كلينتون, وكأن المشكلة تعود من جديد مع إدارة أوباما الديمقراطية، والأزمة مع إيران لا تخرج عن هذا السياق في جعل الدول الخليجية في حالة استنفار دائم من خطر داهم وبالتالي تذهب عائدات النفط باتجاه الخزينة الأمريكية..