قررت إدارة بوش نشر 10 صواريخ اعتراضية في بولندا، ونصب رادار في جمهورية التشيك،وذلك لمواجهة التهديد المحتمل لتطوير إيران سلاحاً نووياً. وكانت روسيا قد اعترضت على الخطة الأميركية التي اعتبرتها تهديدا لأمنها القومي. لكن بمجرد مجيء باراك أوباما إلى لحكم أعلن عن ضرورة التخلي عن مشروع بوش لنشر الصواريخ في اوروبا الشرقية ، وان كان الخبراء قد أكدوا ان القرار له عدة اسباب ودوافع على رأسها مصلحة أمريكا نفسها وليس إذعانا لضغوط أي طرف ، ويُذكر ان اوباما أعلن خلال القمة الروسية الأميركية التي عقدت في موسكو في جويلية الماضي أن واشنطن تنوي الانتهاء من دراسة خطط نشر عناصر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا وستبلغ موسكو بذلك. ، ولكن ما هو الدرع الصاروخي وما طبيعته ؟ الدرع الصاروخي الأمريكي، طبيعته وتاريخه الدرع الصاروخي الأمريكي هو نظام يتم فيه بناء شبكات حماية مكونة من أنظمة صواريخ أرضية، مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية عدة، قادرة على إسقاط أي صاروخ باليستي عابر للقارات يستهدف أراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية أو حلفائها. يشار إلى أن علاقات الأمن ظلت عبر الأطلسي راسخة لما يقترب من مرور عقد علي انتهاء الحرب الباردة، لكن وفي الوقت نفسه ظهرت اختلافات لا يمكن غض الطرف عنها فيما يتعلق بالرؤي والمصالح المباشرة. ومن بين هذه الاختلافات، العلاقة بين حلف شمال الأطلسي والبعد الدفاعي للإتحاد الأوروبي، بالإضافة إلي السياسة تجاه إيران. وعلي الرغم من ذلك يجب أن نقول أن نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي يعتبر أكثر القضايا الأمنية التي يمكنها أن تحدث خلافات بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين ، من جهة و روسيا من جهة أخرى. وتحسن الإشارة ابتداء إلى أن عودة هذا الموضوع بقوة إلى واجهة الأحداث السياسية الدولية ترافقت مع فوز جورج بوش الابن والجمهوريين بالبيت الأبيض، وهم الذين تبنوا ''التسريع'' في بناء شبكة الدفاع الصاروخي كأحد قضايا الأمن القومي التي تم استثمارها في الحملة الانتخابية على خلفية ''التباطؤ'' الذي أظهره الديمقراطيون في المضي قدما في المشروع. وكانت إدارة كلينتون في شهورها الأخيرة قد اتخذت قرارا بتأجيل البت في الموضوع، الأمر الذي استغله الجمهوريون حتى النهاية متهمين خصومهم بأنهم يتراخون في الدفاع عن الأمن القومي الحساس للولايات المتحدة.وكانت أسباب تأجيل إدارة كلينتون لاتخاذ قرار حاسم تعود إلى جملة عوامل, أهمها: عدم إغضاب روسيا و الصين و الاتحاد الأوروبي وبأمل الوصول إلى صيغة توافقية مع تلك الأطراف غير مستفزة لتنفيذ المشروع. الشكوك العميقة في الفاعلية العملية للنظام برمته بعد الفشل المشهور لعدة تجارب إطلاق اختبارية قصدت تصيد صواريخ مهاجمة لأهداف أميركية على الأراضي الأميركية. التكلفة المالية الباهظة للبرنامج والتي تفوق في بعض تقديراتها أربعين مليار دولار. هذه الخلفية التي توضح الموقع الذي اتخذته إستراتيجية الدفاع الصاروخي في حملات المزايدات الانتخابية على الرئاسة مهمة لأنها ترسم علامة تساؤل أولية حول مدى جدية المخاطر التي تفترضها الإستراتيجية ومدى المبالغة التي دفعت بالفكرة بسرعة هائلة إلى أن تحتل ''جوهر الأمن القومي الأميركي'' في المرحلة المقبلة. المبررات الأمريكية لتسويغ النظام عملت واشنطن على تسويق عدة مسوغات لحلفائها وخصومها لنشر المنظومة الدفاعية ترتكز في معظمها على أمرين أساسيين، هما: - أن الشبكة الدفاعية الصاروخية لا تحدث أي تغيرات جذرية في الوضع القائم للأمن والتوازن العالميين، فهذه الشبكة مصممة لصد صواريخ فردية محدودة قد تصدر قصدا أو خطأ عن هذه الدولة ''المارقة'' أو تلك, وليست مصممة بهدف -ولا تستطيع- صد هجوم كاسح تكون فيه الصواريخ منهمرة بغزارة سواء أكان مثل هذا الهجوم مصدره روسيا أم الصين, وهي البلدان الأكثر تضررا من اختلال التوازن الذي تحدثه هذه الشبكة. وبالتالي فإن ''الردع المتبادل'' الذي حفظ التوازن الدولي ما زال قائما والتخوفات من اختلال ذلك التوازن بين القوى الكبرى مبالغ فيها. و أن هذه الشبكة قد تتطور مستقبلا لتضم دول حلف الأطلسي نفسها, وبالتالي الانسجام في الشراكة مع أوروبا وليس الابتعاد عنها.لكن التبرير الأميركي ينطوي على تناقضين: - أنه ينزع من المشروع قيمته ''الدفاعية والدعائية'' الكبرى بكونه المكون الجوهري لإستراتيجية الجمهوريين في الدفاع عن المخاطر المحتملة. فإذا كان هذا النظام لا يستطيع صد هجوم فعال من روسيا أو الصين فإنه من المبالغة تحميله ما لا يحتمل ومحاولة إقناع الرأي العام بحيويته ومركزيته الكبرى. هذا مع أن محاولة واشنطن تسويق فكرة محدودية فعالية النظام الدفاعي تظل محاطة بشكوك عميقة, إذ من الطبيعي أن يكون تصميم مثل هذا النظام آخذا بالاعتبار توفر إمكانية تحويله وتطويره بسرعة, في حالات الطوارئ, ليصبح قادرا على صد هجومات غزيرة. حقيقة أن تقدم أي من الدول التي يتوجه إليها هذا النظام أي ''الدول المارقة'', على القيام بمغامرة انتحارية عبر إطلاق صاروخ ضد أراضي الولاياتالمتحدة. ومناقشة هذا التناقض هي جوهر الحديث عن البعد الشرق أوسطي للنظام. أسرار تراجع أوباما عن ''الدرع الصاروخي" كما سبق ذكره ، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسميا يوم الخميس الموافق 17 سبتمبر عن تعليق مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية والذي يعود إلى حقبة سلفه جورج بوش وكان يهدد في حال تنفيذه بإشعال حرب باردة جديدة . وفي مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض ، برر أوباما هذا القرار بتحديث واشنطن لمعلوماتها الاستخبارية تجاه إيران ، بالإضافة إلى وجود تقديرات أمريكية بأن برنامج إيران للصواريخ الطويلة المدى لم يتطور بالسرعة التي جرى تقديرها في السابق .التبريرات السابقة قد تكون منطقية من وجهة نظر البعض ، إلا أن الحقيقة عكس ذلك وتجد نفسها في عدة أمور من أبرزها الموقف الروسي الرافض بشدة للمشروع الصاروخي الأمريكي والذي وصل لدرجة التهديد بإشعال حرب جديدة في أوروبا على غرار الحرب العالمية الثانية.فما أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 2007 عن اعتزام واشنطن إقامة منظومة دفاعية صاروخية أمريكية جديدة في التشيك وبولندا للتصدي لما أسماه الخطر الإيراني ، إلا وكشرت موسكو عن أنيابها واعتبرت أن الأمر يستهدفها هى بالأساس ويهدد أمنها القومي بل ووصفت مزاعم بوش حول استهدافه إيران ب ''السخافة'' لأنه يقع داخل دول كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي السابق وبالقرب من حدود روسيا.وبالطبع في حال كهذا ، كان لابد من رد فعل روسي سريع وبدأ التفكير على الفور في إعادة نشر الأسلحة النووية الروسية في روسياالبيضاء (بيلا روسيا) التي تقع على الحدود مع بولندا ، كما قامت صراحة بالتهديد باستهداف بولندا في حال إصرارها على المضي قدما في تنفيذ المخطط الأمريكي وكانت الصفعة الأقوى للغرب هى اعتراف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف رسميا باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في 26 أوت 2008 . كما أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في شهر نوفمبر الماضي أن بلاده قررت نشر منظومة للصواريخ الباليستية في جبل كالينينجراد الواقع بين ليتوانيا وبولندا (وهما من أعضاء حلف الناتو ) لأجل تحييد نظام الدرع الصاروخي الأمريكي عند الضرورة ، بل وهدد الرئيس الروسي أيضا باستخدام الوسائل الالكترونية للتشويش على النظام الدفاعي الأمريكي.ورغم أن أوباما حاول منذ توليه منصبه إقناع روسيا بالتراجع عن هذا الموقف ، إلا أنه واجه مزيدا من التعنت في موقف موسكو ، ولذا لم يكن أمامه من خيار سوى إلغاء مثل هذا المشروع . وما يؤكد الفرضية السابقة أن إدارة أوباما في حاجة ماسة لمساعدة موسكو في توصيل الإمدادات لأفغانستان ، كما أنها حريصة على الحوار مع إيران لتأمين انسحاب آمن لقواتها من العراق ، بالإضافة للأمر الأهم وهو تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم وإعلانها بين الفينة والأخرى عن تطوير قدراتها الصاروخية . ذكاء موسكو و أوراق روسيا الناجحة الأوراق السابقة استخدمتها روسيا بذكاء لإجبار واشنطن على إلغاء الدرع الصاروخي ، ولعل إعلان أوباما عن تعليق العمل بالمشروع بعد أيام من الكشف عن عقد محادثات مباشرة في مطلع أكتوبر بين طهرانوواشنطن بشأن أزمة البرنامج النووي الإيراني ، يؤكد أن هناك صفقات سرية تتم وراء الأبواب المغلقة وتلعب فيها روسياوإيران دور البطولة. وبجانب ما سبق ، فإنه هناك حقيقة أخرى قد يجهلها البعض وأجبرت أوباما على التراجع عن خطط سلفه بوش وهى الرفض الشعبي في التشيك لمشروع الدرع الصاروخي الذي كان مقررا أن يدخل مرحلة التشغيل الكامل بحلول عام 2012 ، فقد سحبت الحكومة التشيكية اتفاقية من مجلس النواب تتعلق بنشر قاعدة رادارية أمريكية في التشيك ضمن هذا المشروع بعد تأكدها من أنه سيرفضها.وفي منتصف جويلية الماضي ، أظهرت نتائج أحدث استطلاع للرأي العام في التشيك معارضة 67 بالمائة من المواطنين التشيك وضع القاعدة الرادارية الأمريكية في بلادهم ، مقابل موافقة 26 بالمائة فقط منهم .وأشار مركز أبحاث الرأي العام التشيكي الذي أجرى الاستطلاع إلى عدم حصول أي تغييرات ملموسة في هذا الشأن مقارنة باستطلاعات مماثلة أجريت خلال الأشهر الماضية ، لافتا إلى تأييد نحو71 بالمائة من التشيك المستطلعة آراؤهم إجراء استفتاء بهذا الخصوص . ويبدو أن التطورات السابقة تثير فزع إسرائيل ، فهى بمثابة مؤشر على تغيير في نهج أوباما عن سلفه بوش الذي عرف عنه الانحياز الصارخ لإسرائيل حتى لو كان يتعارض في بعض الأحيان مع مصالح واشنطن ، كما أن تعليق العمل بالدرع الصاروخية وإجراء مفاوضات مباشرة بين طهرانوواشنطن يجهض أو يؤجل على الأقل مخططات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل الهادفة لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية . "الدرع'' مقابل إيران اعتبر جل الخبراء أن قرار إلغاء خطط الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا يعني تحولا هاما في السياسة الخارجية الأمريكية. وسيعد القرار حجر زاوية في سياسة خارجية أمريكية جديدة في العالم، وفي أوروبا والشرق الأوسط تحديدا.بداية، من شأن التخلي عن مشروع نشر منظومة الصواريخ الامريكية في بولندا وجمهورية التشيك أن يخفف التوتر بين واشنطنوموسكو.اذ تحتفظ الولاياتالمتحدة بصواريخ مضادة للصواريخ بالفعل في قواعد قواتها باوروبا ضمن ترتيبات حلف شمال الأطلسي (ناتو). لكن الدرع الذي طرحته إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كان سيقترب كثيرا من الحدود الروسية. ورغم تاكيد الامريكيين في السابق ان الخطة لا تستهدف روسيا وانما ايران، فان الأحداث في جورجيا واوسيتيا الجنوبية وابخازيا زادت من قلق ومخاوف الروس. وقال الروس للأمريكيين أن صواريخ إيران لا تمثل هذا الخطر، لكن تقديرات الإدارة الامريكية السابقة كانت أن صواريخ إيران طويلة المدى يمكن أن تصل إلى عواصم حليفة في أوروبا في المستقبل. وهكذا كانت إيران محور الجدل الروسي الأمريكي منذ قرار إقامة الدرع الصاروخي وقبله، ليس عسكريا فحسب بل سياسيا بالأساس. فالصحيفة الأمريكية التي نشرت خبر عزم واشنطن التراجع عن الدرع الصاروخي في أوروبا ذكرت أن السبب عسكري بالأساس. وقالت أن القرار يستند إلى أن ''برنامج الصواريخ إيرانية طويلة المدى لم يتطور بالسرعة التي كانت مقدرة سلفا، ما يقلل الخطر على الولاياتالمتحدةوالعواصم الاوروبية الرئيسية حسب تقدير المسؤوليين الحاليين والسابقين''.لكن البرنامج الصاروخي لم يكن متطورا عندما قررت الإدارة السابقة اقامة الدرع، ويمكن أن يتطور في المستقبل ما يبرر الاستمرار في الخطة الامريكية اذا كانت مبرراتها عسكرية بحتة.إنما يبدو أن الأمر يتعلق بالسياسة أكثر منه بالعسكرية، فنهج إدارة أوباما تجاه إيران بالتحديد بدأت تتشكل ملامحه. ولا يمكن إغفال تسارع المؤشرات على احتمال عقد صفقة بين طهران والغرب، وفي القلب منه واشنطن، بشأن برنامجها النووي على رغم استمرار التصريحات المتشددة علنا.ولا شك أن روسيا، التي طالما استخدمت ورقة ايران في علاقتها بأمريكا وأوروبا، عامل هام في أي تسوية مع ايران.واذا كان الروس غاضبون من الدرع الصاروخي الامريكي، فقد اتى الاعلان عنه من البداية اؤكله وافاد في المساومة. ورسالة واشنطن المحتملة اذا تخلت عن الدرع الصاروخي ستكون: التخلي عن الدرع المزعج لموسكو مقابل التزام روسيا بالموقف الغربي في التعامل مع ايران، سواء في صفقة تسوية او تشديد عقوبات على طهران.