صمدت مهنة شراء وإعادة بيع الأثاث القديم أمام التطور الذي تعرفه الحياة الاجتماعية في مختلف جوانبها و بقيت عربات هده المهنة المصحوبة بصيحات التجار الفريدة تجوب شوارع العاصمة بأعداد كبيرة حيث لم يعد محترفيها مقتصرا على كبار السن فقط بل حتى الشباب دخلوا هدا العالم الذي دفعهم إليه العوز و انعدام فرص العمل رغم الصعوبات التي يواجهونها. عرفت تجارة بيع و شراء الأثاث القديم و الأجهزة المستعملة تزايدا كبيرا في السنوات الأخيرة حيث لم يعد احترافها مقتصرا على كبار السن فقط بل حتى الشباب أصبحوا يمارسون هده المهنة التي تعتمد على بيع الأثاث القديم و لعل العوز و انعدام مناصب الشغل هو الدافع وراء الإقبال عليها يعد بالعشرات رغم كونها متعبة جدا حسب ما أكده بعض ممتهنوها. و كان أول من صادفناه خلال جولتنا بحثا عن هؤلاء الباعة شاب في مقتبل العمر قدم من مدينة برج بوعريريج لا يتعدى سنه الخامسة والعشرين من العمر كانت العاصمة في نظره الالدورادو الذي يوفر عليه عناء البحث عن منصب شغل ، لكن وبمجرد أن قضى فيها بعض الأيام أدرك الخطأ الكبير في اعتقاده ،حيث جاء إليها يقول بحثا عن عمل أمام شبح البطالة الذي كان يهدده لكن فوجئ أيضا بغياب مناصب العمل خاصة وأنه لا يملك مؤهلا فكان السبيل الوحيد الذي نصحه به من أهل الحرفة هو شراء وبيع الأثاث الذي يمارسه منذ عدة سنوات ،هذا الشاب الذي ضاقت به السبل يكابد عناء التجوال في أزقة العاصمة بحثا عن فرصة عمل ثمينة لاقتناء أثاث جيد وإعادة بيعه في السوق عله يكسب بعض الدنانير وكشف لنا ( م . ي) انه مجبر على تحمل عناء هذه المهنة خاصة وانه مقبل على الزواج و لا يمكنه العودة إلى مدينته من دون أموال أين تنتظره تكاليف كثيرة لإتمام مراسيم الزواج . ويعود تاريخ هذه المهنة حسب ما أكده بعض من تحدثنا إليهم إلى ما بعد الاستقلال وهذا بشهادة الممتهنين الأوائل لها حيث وفي الوقت الحالي هناك شباب جدد دخلوا هذا العالم المليء بالصعاب و الخبايا فيما توارثها آخرون عن أجدادهم و آبائهم و بالتالي فهم يتحكمون في أسرارها جيدا حيث يتمتعون بإتقان أساليب الإقناع و كذا اختيار الأثاث الذي يمكن أن يحصلوا من خلاله على مال لابأس به واستطاعوا بواسطة هذه المهنة أن يعيلوا عائلات بأكملها رغم المدخول الضئيل الذي يحصلون عليه. و صرح بعض هؤلاء الشباب أنهم يعانون من عدة مشاكل تزيد من صعوبة هذه المهنة من بينها مشكل المبيت حيث يقضون الليالي في الحمامات أو في مدن خارج العاصمة نظرا للغلاء الذي تعرفه إيجار السكنات و يتكبدون عناء التنقل يوميا من هده المناطق إلى العاصمة في رحلة شاقة لا يخففها سوى الرفض المطلق للاستسلام للبطالة بينما تتعالى نداءاتهم المتكررة بحثا عن ثلاجة أو تلفاز أو خزانة بعبارات تكاد تكون مفهومة و تتمثل أساسا في" قش قديم" أو " اللي عندوا قش للبيع " و يقول أحد الباعة أن المهنة شاقة جدا نظرا للمخاطر التي يواجهونها كونهم عرضة لمخاطر السرقة والاعتداءات من طرف البعض الذين لايكترثون لتعبهم و كذا المال الضئيل الذي يجنوه من هذه المهنة حيث يرون فيهم مصدر رزق سهل فيترصدون بهم في الأزقة الضيقة والخالية من الراجلين و في هدا الإطار يقول (ع . د) أانه لولا حاجته للعمل لما خاطر بنفسه خاصة وأنهم يفتقدون لأهاليهم الذين لا يزورونهم إلا في المناسبات كالأعياد والأفراح. و بعد عناء الشراء يتوجه هؤلاء الباعة إلى الأسواق لبيع تلك الأجهزة و الأدوات أين يقضون اليوم بطوله –حسب ما أكده البعض- في انتظار الزبون الذي يقتنيها مع هامش ربح ضئيل وفي بعض الأحيان لا يتم الحصول عليها إلا بعد مرور أيام من شرائها كما أنهم يقابلون بالطرد والاحتجاج من طرف بعض المواطنين بسبب أصواتهم المتعالية خاصة في وقت القيلولة مطالبين إياهم بمغادرة المكان وهذا ا الأمر استهجنه هؤلاء كثيرا مؤكدين أن" الخبزة" أو طبيعة عملهم تفرض عليهم إطلاق تلك العبارات . و رغم التطور الذي تعرفه مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلا أن هذه المهنة ما تزال موجودة و يمارسها عدد كبير من الأشخاص القادمون أساسا من ولايات الوطن الداخلية.