قال الدكتور نادر القنة أستاذ بجامعة الكويت للفنون المسرحية أن المسرح العربي في حاجة ماسة إلى أقلام جادة من وزن أسماء معروفة في الساحة المسرحية العربية أمثال كاتب ياسين، وسعد الله ونوس، وذلك للقضاء على مسألة الاقتباس من النصوص الغربية التي اشتهر بها المخرجون المسرحيون العرب. كما تحدث نادر عن دور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الفن والتي قال بشأنها أنها قوضت الإبداع العربي، وأمور أخرى تطرق إليها القنة خلال هذا الحوار. يعتمد المسرح العربي على عناصر ثلاث الإقتباس، الإعداد والترجمة، متى نمسرح أفكارنا في اعتقادك؟ تحدثنا في ثمانينات القرن الماضي عن أزمة نص ليس بالمعنى افتقارنا للنصوص المسرحية، بل لدينا نصوص كثيرة في المسرح العربي، ولكن الحديث عن الأزمة هنا يكون من باب وجود كتاب كبار الذين يكتبون نصوصا مسرحية متقنة من امثال محفوظ عبد الرحمان وألفريد فرج وسعد الدين وهبة وكاتب ياسين وسعد الله ونوس في وزن هؤلاء العمالقة ومحمود دياب ونجيب سرور والذين استطاعوا أن يدشنوا نصوصا مسرحية على درجة عالية من التقنية ومحملة برموز فكرية. ما مدى مساهمة المنظمة العربية للثقافة والعلوم المنضوية تحت جامعة الدول العربية في تفعيل حركة المسرح العربي؟ كان لدينا في جامعة الدول العربية لجنة مسرح تحت اشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وعقدت مسابقة يتيمة ووحيدة في نهاية سبعينات القرن الماضي ولكن هذه المسابقة توقفت بعد دورة واحدة التي فاز بها الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد، توقفت لا اعرف لماذا... يبدوأن المنظمة العربية تعاني تعاقب المسرح وتعاقب أهل الاختصاص في الوقت الذي نريد فيه ان نكتشف طاقات كتابية. في كل الأحوال يبدو أن الكتابة المسرحية صعبة جدا إلى حد يعطل من ميلاد كتاب مسرحيين من الأوزان الثقيلة الكبيرة قياسا بالحركة التي نشاهدها اليوم من وجود أسماء عديدة من مجالات التأليف مثل الرواية والقصة وكتابة المسلسلات التلفزيونية.. يبدوأن الامورأحيانا تسير في اتجاه مغاير لكتابة نص مسرحي صعب. برايك،ما هي المقاييس التي يجب اعتمادها في خلق مسرح بمقاييس عربية؟ لا مناص أمامنا سوى عقد ورشات تكوينية تدريبية للطاقات الفاعلة ذات مواهب تريد أن تكتب للمسرح. لا مناص أمامنا سوى إجراء مسابقات في التأليف والكتابة المسرحية بين قطاعات مسرحية كثيرة من الشبيبة والكبار تشمل تلاميذ المدارس والمعاهد والجامعات المنتشرة في الوطن العربي، وهنا بوسعنا أن نضع أيدينا على النصوص المسرحية القيمة وأن نضع أيدنا على هؤلاء المواهب وأن نطور هذه الطاقات المسرحية في المستقبل عبر هذه الورشات التي ذكرتها. الهم الأكبر هنا هو أن نؤسس في أرض الواقع مفهوما حقيقيا، وهو أن ندرس مسألة كيف أن نخلق مسرحا عربيا باشتراطات عربية ومفاهيم عربية وبموروث عربي، وهذه القضية لا تأتي بين يوم وليلة، ويبدوأن المشروع الدراسي الذي عقد في سبعينات القرن الماضي لم يأت بجديد، بدليل أن الدراسة ذاتها لم تنتج طرحا جديدا وإنما أستطيع أن أقول انها لم تؤسس لنص مسرحي عربي، يبدو أن هناك خللا في الدراسة وخللا في التطبيق...علينا أن نعيد كل ذلك من جديد حتى يتسنى لنا أن نتعاون بين المؤسسات المسرحية العربية لخلق هذا المسرح وبالدرجة الأولى يجب أن يكون هناك تعاون بين مؤسسات البحث العلمي المعنية بعلوم المسرح والدراما في الوطن العربي. طرحت في إحدى محاضراتك قضية ''المركزية الثقافية في المسرح ''، ماذا تقصد بهذا؟ في أعقاب ثورة يوليو1952 التي دشنها الضباط الأحرار بمصر أطلق ما يسمى بمشروع المصطلح القومي والإمتداد العربي، وبالتالي تحولت مصر إلى مركز ثقل للثقافة العربية، وكان ذلك بمحض إرادتنا وبتشجيع من المؤسسات العربية السياسية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني العربي، وكانت مصر تلعب دورا ثقافيا وحضاريا وتنمويا قوميا، ومع رحيل جمال عبد الناصر أصبحت فكرة القومية لا تستهوي البعض، بدليل أن المشروع القومي تحول بين يوم وليلة إلى حزب ناصري مرتبط بشخص واحد بمفرده، وتم تكثيف هذه الرؤية الشمولية العربية إلى فكرة تدور في رأس شخص واحد قلصت هكذا وببساطة الشديدة هذه المسألة. وأرى أن فكرة المركزية الثقافية قد انهارت في الوطن العربي، وبالتالي هذه الفكرة التي صاحبتها إطلاق فكرة الجناح المغربي والمشرقي علينا أن نلغي هذه التسميات لماذا لا نبحث اليوم في مشروع المسرح العربي، بإطاره ومضامينه العربية، المسرح العربي ووحدة الثقافة العربية ولماذا نقلص ونحجم الوطن العربي بأجنحته الجغرافية وأقلمته ونجعله مشرقيا ومغربيا ونجعل الثقافة العربية مركزية، علينا انهاء ثقافة المرتكز، من باب أولى لنا أن نعيد الصياغة من جديد لمفهوم المشرقي والمغربي وان نبحث في مشروع بناء الوطن العربي، قبل ثورة يوليو. أنا شخصيا أطالب كل الأكاديمين والتكنوقراط والمسرحيين العرب والمثقفين الجزائريين بضرورة دراسة المسرح العربي. ما مرجعية هذا التحول في تقديرك؟ المسألة سياسية محضة نحن للأسف الشديد ورثنا من قاموس سايكس بيكو السياسي هذا التشطير وتجزيء وتقسيم وتشظية وكل المسميات المدونة في هذا القاموس الذي قسم العالم العربي إلى مشرقه ومغربه، لا احد يستطيع في الولاياتالمتحدةالأمريكية ان يتحدث عن مسرح كاليفورنيا أومسرح واشنطن أومسرح كارولينا، بالمختصر إنهم لا يتحدثون عن مسرح ولايات. الإتحاد السوفياتي السابق الذي كان يتكون من مجموعة من الجمهوريات كان الحديث عن مسرح سوفياتي ولما تفكك أصبح الحديث عن مسارح قطرية، لم يكن في السابق الحديث عن المسرح التويني أوكازاخساتي أو...كان الحديث منصبا على المسرح السوفياتي هنا أقول بما أن لدينا منظومة عربية وجامعة عربية وفيدرالية عربية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، لماذا نأخذ من سلة سايكس بيكو هذا التقطيع والأقلمة، بمعنى لماذا نذهب إلى الجزء ونقوم بإحيائه على حساب الكل، أنا أرى الأولى الذهاب إلى الكل، علينا الحديث عن مشروع ثقافي عربي، إذا نحن اليوم عجزنا على المستوى القطري ولم نستطيع أهل الأمصار والأقطار أن يخرجوا لنا تلك النتاجات لنتعاون. أدعو مؤسسات البحث العلمي وفي مقدمتها الجامعات العربية والأكاديميات المعنية بتدريس الفنون المسرحية أن تتيح التلاقي والتعاون فيما بينها بشكل علمي صادق خدمة للأمة العربية، وأن نتبادل الخبرات وأن نتعاطاها بمفهومها العربي وليس بمفهومها القطري الضيق. لماذا عجز أهل المشرق عن توظيف موروث أهل المغرب والعكس صحيح، هذا كله ناتج عن عدم التواصل وعدم الإحساس الصادق بأنني أمتلك هذا التراث، شخصيا أكتب وأرى بأن ما تنتجه المملكة المغربية والجزائر وموريتانيا هو موروث عربي يهمني في المشرق، وما ينتج في سلطانة عمان والكويت والإمارات هوأيضا يمتلكه سكان المغرب العربي، علينا أن نسعى إلى إبراز حقيقة الوحدة العربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا. هل استجاب المسرح العربي لنداء الأصوات الحرة التي تنادي بالحرية والإنعتاق؟ يعتبر المسرح الفلسطيني نموذجا لما يسمى بمسرح المقاومة، ما يعنينا هنا ان المقاومة تأخذ أشكالا مختلفة لم تعد المقاومة حصريا بمقاومة الاحتلال المقاومة تدخل في أطر الذات مفاهيم الذات بمعنى الضغوط الاجتماعية ومقاومة الأنظمة والسلطات القمعية مقاومة أيضا المؤسسات التي تقوض الانجاز الاجتماعي والثقافي، المسرح والمقاومة لم تعد صورته تلك التي ولدت في سنوات العشربنات من القرن الماضي ابان ما تعرض له الوطن العربي من احتلال. اليوم لم يعد الاستعمار بمفهومه القديم احتلال الجغرافيا، موضوع الاستعمار أصبح من بعد يختص بمفاهيم ثقافية معينة يعني غزو ثقافي واجتماعي فكري، كل هذه العناصر بدأت تأخذ انماطا جديدة، وبدأت فلسفة المقاوم تتبدل، ففي الماضي كنا نقاوم محتلا واحدا بغض النظر عن الإيديولوجيات المتصارعة في الوطن الواحد، اليوم نحن نقاوم بعضنا البعض، المعارضة تعارض من يقف على رأس السلطة ومن في السلطة يقاوم من في المعارضة، وبالتالي بدأ هذا المسرح يأخذ أنماطا وأشكالا مختلفة، يعني المسرح السياسي في الوطن العربي أولى أن يكون فاعلا من خلال الشبيبة والطاقات، ولكنه أيضا مازال يعاني الكثير، وهذه المعاناة ناتجة عن مسببات كثيرة من أهمهما الرقابة المسرحية والرقابة الثقافية. ويعاني المسرح من ضعف التمويل وغياب السؤال في المسرح العربي وهذه أزمة حقيقية المسرح العربي الآن لا يحكمه سؤال عن المستقبل الذي عطل البحث وكيف لنا أن نفكر في الغد والبحث عن استراتيجيات، المسرح العربي مصاب بتفكيره الراهن، نحن نبحث فيما هو الآن، المسرح دائما يجب أن يطرح سؤاله المستقبلي، المسرح العربي نطاقه ضيق جدا مساحته لا تساعده أن يقاوم ، وأرى ان المسرح العربي اليوم حقيقة يعيش في دوامة، رغم محاولته في مقاومة أشكال كثيرة ولكن مقاومته غير فاعلة على أرض الواقع، لأنه علينا ان نفكر بتغيير أنماط التفكير داخل المجتمعات العربية، المسرح العربي ليس في أحسن حالاته، يعيش سلسلة من الأزمات، أزمته الحقيقية مع السلطات القائمة الثقافية والسياسية والمجتمع المدني الضاغطة، لا يستطيع أن يكون حليفا مقنعا لما يطرح، لكن أحاول أن أتفاءل لأنه لدينا طلبة وجيل صاعد، ولا يجب أن أصدر تشاؤمي إلى الآخرين .