أوضح الدكتور والمخرج المسرحي السوري تامر العربيد أن المسرح فن ذو لسان طويل لا يعترف بالحاجز، ويتحدى العقبات، فالرجل المسرحي في نظره له قوة خارقة يستطيع بموجبها كسر كل القيود التي تكبله من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، وهوخلق نظرية مسرحية عربية تتجاوب مع الواقع المعاش، داعيا في السياق ذاته إلى إخراج المسرح العربي من دائرة المتحف إلى استشراف المستقبل، عن اللغة الصحيحة الواجب استخدامها على خشبة المسرح، لضمان تواصل الركح مع المتلقي. عن المسكوت عنه في العمل المسرحي، وقضايا أخرى يحدثنا عنها تامر في هذا اللقاء الذي خص به الحوار. هل وفق المسرح بشكل عام في الإجابة ولو على 50 بالمائة من جملة الأسئلة التي يطرحها الواقع الإنساني في العالم العربي؟ المسرح دائما هو ابن الظروف التي ولد فيها، وفي حد ذاته، فهوفن عظيم، إذ لا يمكن أن يكون حالة ترفيهية وتزينية في حياة المجتمعات، خاصة في المجتمع الشرقي، وخاصة إذا علمنا أن المسرح العربي نشأ في ظروف صعبة ومازال يعاني حالة التشظي والإنحسار، واعتقد انه لم يكن ضمن تقاليدنا الشعبية، وعليه فالمواضيع التي اختارها المسرح لم تكن سهلة، لم يكن المسرحي موفقا دائما في كل يقوله، المسرح العربي صراحة لم يستطيع التطرق إلى كل الأشياء التي تمس مناحي الحياة، فالحراك المسرحي في الدول العربية يحاول دائما أن يكون قريب من قضايا الناس، لكن أن نحدد درجة أونسبة تأثيره، فهذا الذي يصعب تحقيقه. ما نوعية الخطاب واللغة الواجب استخدامهما على خشبة المسرح، لضمان تواصل الركح مع المتلقي؟ فعلا المسرح اليوم بحاجة إلى تأسيس فكرة تضمن التواصل بينه وبين المتلقي، وبحاجة لكي يربط جسرا مع الجمهور، ويمد له يده ليصافحه، على المسرح العربي اليوم أن يصارح المتلقي وأن يبحث في نوعية الأشخاص الذين يترددون عليه، وعلى نوعية العروض المسرحية التي تعرض على ركحه، بالإضافة إلى هذا كله يجب أن لا يكون المسرح غريبا على مردده، بل يجب أن يكون المسرح قريبا إلى الناس، وهذا ليس بأن يعمل الممثل كل ما يريده، بل أن يكون قادرا على خلق حالة احتكاك مع الجمهور عن طريق رفع ذائقته الفنية، وأن يعرض مواضيع تحاكي هموم المجتمع بلغة فنية بشكل واضح، وعلى المسرحيين الأكفاء القيام بالبحث الفني، وخلق مواضيع أوقضية تغري المشاهد ويجذبه إلى المسرح، فهذا الأخير عرف بأبي الفنون وعليه لا بد أن يعمل على كيفية وعن طرق إيصالها للمجتمع، وأن يجسد بشكل فعلي الوصف الذي عرف به على أرض الواقع، وفي ذات الوقت فالمسرح لا نحمله مسؤولية كل شيء، فتأثيره نسبي، لكنه أدى الغرض المنشود ولوبنسبة قليلة ولا يمكن أن نطالبه أكثر من هذا، فعلى الأقل استطاع التطرق إلى مواضيع تدخل في سياق كشف المستور وفضح أسلوب المتسبب في إيذاء الناس. لماذا أضحى المسرح هاجسا لدى الطبقة الحاكمة؟ المسرح فن له لسان طويل، لأنه يمتلك من الجرأة ومن التأثير والحساسية والخطورة، ما يكفيه لكي يجذب الناس إلى صفه، وليس كفن آخر، لأن الفعل ورد الفعل في المسرح حاضر، ويتميز بقوة وصلابة بشكل قد يكون أخطر، وعليه فالأنظمة الحاكمة في أي دولة كانت تحسب حسابا للمسرح ومتخوفة من أن يطرح عليه من الأسئلة التي يحاول الطاقم الفني الإجابة عليها، واعتقد انه مهما كان المسرح، يبقى يحافظ على توازنه وأنه أدرك معنى الواقع وما يدور في خبايا المجتمع، لأن المسرح فن الدلالة والإشارة، وهوالفعل أوالصورة وتوحي وتقول ما لا يقال بالكلام، وأنه مسؤول على كل عبارة ينطق بها المسرحي وأي فكرة مما يحملها رجل المسرح، فالكلمة على المسرح خطيرة لأنه بمقدورها أن تلعب دورا كبيرا في تغيير الذهنيات إذا وظفت في مجراها الطبيعي. ما هوالمسكوت عنه في تجارب المسرحية التي أخرجها الدكتور تامر العربيد؟ كل شيء مسموح في العروض المسرحية التي قمت بإخراجها إلا تلك التي تتعلق بالمحظورات، لأن المسرح فن الجمال والذوق والأناقة، حتى في لحظات الألم والوجع، أما المسكوت عنه في المسرح في اعتقادي فهو يقع في حدود ما يقتنع به المسرحيون، ولا أقصد هنا الجانب الجنسي، فهذا أمر آخر، وحتى الرقيب في المسرح فهو لا يخرج عن إطار الرقيب المسرحي وبعيد كل البعد عن رقيب السلطة. ما هي الأدوات التي من خلالها نؤسس مسرحا قائما بذاته، وما هي الضوابط التي يستلزم علينا اتباعها؟ في النهاية لا يجب أن نتقوقع أونخلق مشكلة من لا شيء، أونطرح سؤال مثلا هل المسرح قديم أم جديد في الوطن العربي، حتى الدول الغربية التي طورت فن الركح، لم تؤسسه على امكاناتها الخاصة فقط، إنما تم استعارته خارج أراضيها وبنته واشتغلت عليه، لكن ما يهمنا هنا أن نبني ونؤسس لمسرح يشبهنا حتى ولوكان المسرح لا يدخل ضمن تقاليدنا وفي حياتنا، بل يجب ان نوظف في مسرحنا مضامين عربية وذلك عن طريق الإستفادة من الخبرات ومن الثقافات الأخرى فهو لذلك في اعتقادي أمر مشروع وضروري، حتى نصل إلى بناء مسرح بخصوصيات وأدوات عربية محضة، وعلينا أخذ كل ما هو جميل ومؤثر، والقادر على صنع الحيوية والدينامكية في موروثنا، وتوظيفه في شكل معاصر لينطلق بصورة تناسب حياتنا وبتقنياتنا، وأن يكون لسان حال الفرد بأدواتنا وباستعاراتنا وبمعارفنا في سياق بحث مستمر، لا شيء يمنع الإستفادة لما وصلت إليه الحاجة المسرحية في العالم، حتى لا نجعل من مسرحنا متحفا، في حين أن المسرح هو فن المستقبل وفن الحياة بكامل عناصرها المتجددة. متى نصل إلى خصوصية هذا المسرح؟ والله في اعتقادي أن لكل بلد من الوطن العربي له شكل ولون مسرح خاص به تابع لخصوصية البلد في حد ذاته، والقاسم المشترك بين المسارح العربية أنه انساني، ويحاول أن يعالج قضايا تمس الفرد داخل المجتمع، أما متى نصل للخصوصية، فأرى ذلك سيتحقق لما يصبح المسرح فعلا هاجسا ومحل بحث وعمل ميداني، ويعتمد على القدرة التكوينية، ويتوفر على ورشات وعلى مختبرات، وأن يكون هناك سعي وراء كل ما هو جديد يمس الواقع الاجتماعي، وأن يكون له نتائج ايجابية مثل ما نراه اليوم في المسرح الجزائري، الذي يتوفر على فرق مسرحية واعدة تعد بالكثير في المجال المسرحي، مما يؤكد على وجود حالة مسرح راقٍ. علينا أيضا البحث في الأداء الفني للممثل ذاته، وبالموازاة تطوير عمل المخرج، ولا يشتغل هذا الأخير على المسرح كحالة وظيفية أوتظاهرة مهرجانية فقط إنما هناك حالة بناء وتأسيس و مؤطر. والبناء بهذا الأساس هوالإعتراف بمكان الغلط، ومعرفة نقاط الخلل ومعالجتها، وفتح آفاق لخلق حالة مسرحية بكل تفاصيلها.