تواجه عيادة جراحة القلب للأطفال ببواسماعيل في ولاية تيبازة أزمة حقيقية نتيجة النقص الفادح في الأخصائيين في الجراحة القلبية، بعد مغادرة البروفيسور الوحيد في الجزائر المتخصص في جراحة القلب والشرايين للأطفال، بسبب المتابعات القضائية التي تعرض لها جراح آخر ومدير العيادة وبعض المقاولين قبل أن تبرئه ساحة العدالة من التهم التي نسبت إليه، بالإضافة إلى رفض الفرق الطبية الأجنبية المتواجدة بالعيادة في إطار الاتفاقيات المبرمة مع بعض العيادات الأوروبية الإشراف على تأطير الأخصائيين الجزائريين لفترات تكوينية طويلة المدى بسبب ارتباطاتهم المهنية والعائلية ببلدانهم. الأمر الذي وضع وزير العمل '' الطيب لوح '' في آخر زيارة له إلى العيادة في مأزق بعد فشله في إيجاد الحل الأمثل خلال جلسة العمل الطارئة التي عقدها مع الأطباء والجهاز الإداري لتجسيد وعوده بجعل العيادة قبل مرجعا حقيقيا في الجراحة، لكن الواقع يؤكد تراجع أدائها من يوم إلى آخر بل إن الأطباء يدقون ناقوس الخطر من الوضع الذي آلت إليه. وحسب ما أكده لنا بعض الأطباء المختصين في الجراحة فإن زيارة الوزير إلى العيادة لم تزد الوضع إلا تدهورا لأنه لم يقدم الأجوبة الكافية لتساؤلات الأطباء ولم يأت بالحلول الناجعة لتحسين أداء العيادة، حيث قال أحد الأطباء '' نحن نشاطر الوزير في توجهاته لعصرنة العيادة وجعلها مرجعا قاريا وإقليميا لكن كيف يتم ذلك في غياب التكوين وافتقاد العيادة لبروفيسور من طينة '' ولد عبد الرحمان '' الذي غادر العيادة وصار قسم الجراحة بلا رئيس مصلحة، ضف إليها المستوى الاجتماعي للأطباء وضعف رواتبهم '' فنحن الأطباء يضيف محدثنا لا نقدر على شراء الكتب العلمية الجديدة بسبب الرواتب غير المحترمة التي نتلقاها، خصوصا بعد منعنا من إجراء عمليات جراحية بالعيادات الخاصة خارج أوقات عملنا الرسمية، مع العلم أن القانون لا يعارض ذلك وبالمقابل يقوم الأطباء الأجانب بإجراء عمليات جراحية بالعيادات الخاصة بلا حسيب ولا رقيب ونحن قادرون على إجرائها لكننا حرمنا من ذلك. وخلص محدثنا إلى أن العيادة معرضة لاضطرابات كبيرة لو بقيت الأوضاع على حالها، لأن معظم الأخصائيين ينوون التوجه نحو القطاع الخاص والمستشفيات في حين يعتزم البعض الآخر شن إضراب عن العمل. وبخصوص العمليات الجراحية أشار الأطباء الذين تحدثنا إليهم أن الوتيرة تسير وفق عمليتين في اليوم الواحد رغم كثرة حالات الانتظار لأن الإمكانيات المتوفرة لا تسمح بأكثر من ذلك، أما العمليات المعقدة فلا يزال يشرف عليها أجانب سواء هنا بالعيادة أو بالعيادات الأجنبية الأمر الذي يؤكد أن وعود الوزير لوح بتوفير فريق طبي محلي يشرف على العمليات الجراحية المعقدة بالعيادة والاستغناء عن الفرق الأجنبية لن يجسد خلال الفترة التي حددها (2009). وبالإضافة إلى المشاكل التي يعانيها الأطباء فقد حرم طلبة الجامعة من التربصات وعمليات التكوين بالعيادة لعدم وجود أستاذ يؤطرهم بعد ذهاب البروفسور '' ولد عبد الرحمان '' الأمر الذي زاد في تراجع دور العيادة التي كانت حسب العاملين بها خزانا للأخصائيين في الجراحة القلبية للأطفال. وكان وزير العمل في آخر زيارة له إلى العيادة قصد الاطلاع على مدى تطبيق الاتفاقيات المبرمة مع عيادة '' ران فابيولا '' من بلجيكا والوقوف أيضا على تقدم البرنامج المسطر من طرف الوزارة للفترة الممتدة بين (2006 و 2009 ) في إطار التكفل النهائي بالأطفال مرضى القلب، قد عبر في جلسة عمل طارئة حضرها الأخصائيون الأجانب عن قلقه بشأن الجانب التكويني للأطباء الأخصائيين الجزائريين لاسيما وأن العمليات المعقدة تتطلب فترات تكوينية تتراوح بين 5 و10 سنوات، ليصطدم برفض البروفسور البلجيكي الإشراف على عمليات تكوينية طويلة المدى بسبب التزاماته المهنية والعائلية ببلده. ولم يفوت الوزير لوح الفرصة لينتقد إخلالبعض الأطباء الأخصائيين بالعقود المبرمة بينهم وبين العيادة ولجوئهم إلى إجراء عمليات جراحية بالعيادات الخاصة، الأمر الذي سيؤثر حسبه سلبا على سير العمل بالعيادة الوحيدة من نوعها بالجزائر. وكان لهذه الانتقادات الأثر السلبي على نفسية الأطباء الذين كانوا يرغبون في طرح مشاكلهم بعيدا عن مسمع الأجانب، غير أن بعضهم فضل الرد على الوزير في نفس الجلسة من خلال طرح المشاكل التي تعترضهم في أداء مهامهم كغياب إمكانيات العمل وتأخر وصول التجهيزات اللازمة، وذهبوا إلى طرح انشغالاتهم الاجتماعية والمهنية والمتعلقة أساسا بالقانون الخاص والرواتب وإمكانيات العمل وعمليات التكوين بالعيادات الأجنبية. وفي ظل بقاء مشكل التكوين قائما وعدم الاعتناء بالجانب الاجتماعي والمهني للأطباء، فوعود الوزير بجعل العيادة مرجعا على المستوى الإفريقي في آفاق 2009 يبقى تجسيدها تحديا صعبا.