إستراتيجية الحرب الاستباقية الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ويتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية والإسلامية. يواصل الدكتور غازي حسين التطرق إلى مختلف التحليلات والشروحات حول كتابه الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية حيث يقول تعدّ الحروب الاستباقية, أي الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر, وفي ميثاق الأممالمتحدة من أفظع وأشبع الجرائم ضد السلام والازدهار وضد الإنسانية, وخطأ جسيماً ضد استقلال وسيادة أراضي الدولة المعتدى عليها وضد السلم والأمن الدوليين. يقضي القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة والعديد من العهود المواثيق الدولية بوجوب الوقف الفوري للحروب العدوانية (الاستباقية) وانسحاب القوات المعتدية ومعاقبة الدولة أو الدول المعتدية وإجبارها على دفع التعويضات عن الخسائر البشرية المادية والنفسية التي سببتها الحرب الاستباقية. يحرّم ميثاق الأممالمتحدة التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية ولا يعترف بشرعية الآثار التي تترتب عليها. تؤكد المادة الأولى من الميثاق أن مقاصد الأممالمتحدة هي حفظ السلم والأمن الدوليين وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية. وتمنع المادة الثانية منه الدول الأعضاء التهديد بالقوة أداء استخدامها. رفض مجلس الأمن الدولي تفويض الولاياتالمتحدة القيام بحربها الاستباقية على العراق, لذلك فإن الحرب الأمريكية الاستباقية على العراق انتهاك صارخ لميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولي ومسؤولية الولاياتالمتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن عن الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. أن الولاياتالمتحدة لم تكن في حالة الدفاع عن النفس, إزاء الخطر المزعوم والكاذب الذي أعلنه الرئيس بوش, ولا يجوز لها إطلاقاً التذرع بالحرب الاستباقية على الشعب العراقي لتبرير عدوانها الوحشي والبشع على الشعب العراقي المحاصر, ولكنها لجأت إلى ذرائع كاذبة ومضللة وغير قانونية وغير أخلاقية لتضليل الشعب الأمريكي عن الاستخدام غير الشرعي للقوة العسكرية لفرض هيمنتها على نفط العراق وتدمير جيشه وتنصيب حكومة ومجلس حكم ووزير خارجية جاؤوا على ظهر الدبابات والبوارج الأمريكية من سراديب واقبية المخابرات المركزية. جاؤوا مع قوات الاحتلال الأمريكي لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية ومصالحهم الخاصة على حساب الشعب والأمة والعقيدة, ولمتابعة واشنطن للحروب الاستباقية على العربُ المسلمين وربما على روسيا وأوروبا والصين في المستقبل. وقد أعدّ اليهودي بول فولفوفيتس, نائب وزير الحرب الأمريكي عام 1991 ''دليل الأمن القومي'' الأمريكي أكد فيه على فكرتين: الأولى أن حلفاء الولاياتالمتحدة هم منافسون محتملون لا بد من منعهم من الطموح إلى دور إقليمي أو عالمي أكبر مما ينبغي, والثانية: تقرّ بأن التدخل العسكري الأمريكي سمة ملازمة للشؤون الدولية. ورافق ذلك زيادة الإنفاق العسكري لتصعيد القدرة التكنولوجية الهائلة للعسكرية الأمريكية على الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة واستفراد الولاياتالمتحدة بالعالم. وصدرت عن البنتاغون عام 1997 وثيقة تحت عنوان ''المراجعة رأساً على عقب'' ووثيقة أخرى عام 1999 بعنوان ''الثورة في الشؤون العسكرية'' وأقرتا بوجوب إعداد الجيش الأمريكي ليكون قادراً على خوض حربين على غرار حرب الخليج الثانية في مكانين متباعدين من العالم في الوقت نفسه, والانتصار فيهما من دون خسائر بشرية تذكر في الأرواح باستخدام الأسلحة الذكية. وحدد رامسفيلد وزير الحرب الأمريكي المخاطر المستقبلية على الولاياتالمتحدة من أسلحة الدمار الشامل, لتبرير الحرب الاستباقية وإحكام السيطرة العسكرية المطلقة على العالم ونهب ثرواته وتحويل دول عظمى مثل روسيا والصين وحتى أوروبا إلى دول وقوى عادية, ليس بمقدورها أن تواجه الغول الأمريكي المتوحش. وظهر مفهوم الدول المارقة وهي القادرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل, ودول محور الشر, وهي الدول التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي والأميركي, والتي تؤيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. تبلورت استراتيجية الأمن القومي الجديدة القائمة على الحروب الاستباقية قبل هجمات 11 أيلول وظهرت إلى العلن بعدها. وأعفت نظرية الحروب الاستباقية الولاياتالمتحدة من تقديم المبررات في الحروب التي تشنها بحجة الدفاع عن النفس أو ضد أخطار محتملة. وبالتالي أعطت الولاياتالمتحدة لنفسها الحق في العمل إزاء أخطار مختلقة لتبرير حروبها الاستباقية ضد بعض الدول التي تأوي أو تساعد المقاومين لخدمة مصالحها الاقتصادية ومحاربة العرب والمسلمين. خلاصة القول أن الرئيس الأميركي قد خطط للحرب الاستباقية قبل 11 أيلول وأعلن عنها بعد وقوع هذه الأحداث. وخلط بين الحرب ضد الإرهاب وبالمواقف من الدول المارقة ودول محور الشر, وامتد تعريف الإرهاب ليشمل الدول المارقة, وهي الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية والمدافعة عن مصالحها الوطنية والقومية والإسلامية. وبلور اليهودي ريتشارد هاس, مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية في نيسان 2002 الموقف الاستراتيجي للسياسة الأمريكية قائلاً أن حقبة ما بعد الحرب الباردة شكلت تحديات جديدة فوق قومية, ولم تعد الاستراتيجيات القديمة التقليدية استراتيجيات الدفاع والاحتواء والردع كافية بعد الآن, وأن الولاياتالمتحدة تستطيع السير بل ستسير منفردة حينما يكون ذلك ضرورياً. وأعطى الولاياتالمتحدة حق التدخل في شؤون الدول الأخرى والانتقاص من سيادتها والقيام بما يسمى بحق الدفاع الذاتي الوقائي أو الاستباقي. وانطلاقاً من استراتيجية الحرب الوقائية التي وضعها اليهود في إدارة الرئيس بوش صدر في أيار 2002 تقرير وزارة الخارجية الأمريكية ووضع أربع دول عربية في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهي العراق وسورية وليبيا والسودان, متهماً إياها بامتلاك أسلحة كيماوية وبيولوجية والمحاولة للحصول على السلاح النووي, بينما سكت التقرير على امتلاك إسرائيل لجميع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية بما فيها الغواصات الألمانية النووية. وبلور رامسفيلد خلال جولته في بعض دول الخليج العربية في حزيران 2002 الحرب الاستباقية القادمة على العراق وقال: ''إن الولاياتالمتحدة تعتزم وضع قواعد عقيدة عسكرية جديدة تنص على الحق في توجيه الضربة الأولى إلى الدول التي تملك أسلحة دمار شامل''. وتكلَّلَ التمهيد للحروب الاستباقية التي نَظَّر لها يهود الإدارة الأمريكية ومنهم أيضاً بالإضافة إلى الأسماء المذكورة ريتشارد بيرل في التقرير الذي قدمه الرئيس بوش في (20) أيلول 2002 حول استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة وجاء فيه أن الرئيس بوش يرى أن إعادة هيكلة العالم ليصبح مكاناً آمناً لايركا تقتضي فرض الهيمنة الأمريكية على العالم, ورفض معظم العهود والمواثيق الدولية والانفراد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالنزاعات الدولية, ومعاقبة الدول التي ترفض الانصياع لأوامر الإدارة الأمريكية. تتضمن خطة الأمن القومي الجديدة تبني الولاياتالمتحدة للحروب الاستباقية بمعنى مهاجمة الأعداء المحتملين من دون استفزاز أو مبرر. ويقول الرئيس الأمريكي فيها حرفياً: إن المنطق والدفاع عن النفس يستدعي قيام أمريكا بالتحرك ضد الأخطار المحتملة قبل أن تصبح أخطاراً حقيقية، وقرر فيها الرئيس بوش أن أمريكا ستعيد بناء النظام الدولي على أساس ينسجم مع تفوقها العسكري الكاسح, والحيلولة دون امتلاك أي دولة ما يكفي من القوة العسكرية والتكنولوجيا لتحقيق التوازن العسكري مع أمريكا, الأمر الذي يعني وضع حتّى الدول الكبرى تحت الهيمنة الأمريكية وتهميشها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. خلاصة القول تضمنت الوثيقة إعلان الحرب الاستباقية بأسماء وتبريرات كاذبة ومضللّة لمحاربة العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم وفي طليعتها البترول والهيمنة على العالم. وتتجلى خطورة الاستراتيجية الأمنية الجديدة ليس فقط القيام بالحروب الاستباقية وإنما أيضاً في إمكانية استخدام السلاح النووي أو ذخائر وقنابل نووية تكتيكية ضد بعض الدول التي ترى الولاياتالمتحدة أنها تهدد مصالحها. وسبق لها أن استخدمت القنابل النووية في اليابان والذخائر والقنابل التكتيكية باليورانيوم المخصب في حربها على العراق. وتقود الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة إلى نهاية حدة والعهود والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية التي رسختها البشرية بعد الحروب والمصائب والويلات التي حلت بها من جراء الحربين العالميتين, وودة إلى مرحلة رعاة البقر في تكساس وثقافتهم التي تعتمد على العنف والبندقية للتعامل مع الأمريكيين أنفسهم.