يعد الفكر الأداة الفعالة لاستنهاض الأمم أو تخديرها، ورب فكرة أحيت أمة، ومقابلها فكرة أماتتها ورجعت بها القهقرى سنين وعقودا إلى الوراء، ولا عجب في تصنيف فيلسوف الحضارة الجزائري الأفكار إلى أفكار حية وأفكار ميتة وأفكار قاتلة. وتذكرت ماورثناه في تراثنا من العبارات والحكم التي تحض على مسؤولية القلم، فمن ناحية تركيز على حامله أن يكون بمستوى هذه الأمانة وقدرها، تحصيلا وعلما وفهما، فقالوا : '' من ألف فقدعرض عقله على الناس، فإن أصاب فقد استهدف، وإن أخطأ فقد استقذف''، وقالوا في تبعات الكتابة : فلا تكتب بكفك غير شيئ يسرك في القيامة أن تراه . وقد اجتهد الراحل محمد أركون في نصرة منظومة فكرية اقتنع بها أو غلبت ظروف وسياقات حتمت عليه النصرة ، فترك مكتوبا شهد مناوئين له إلى درجة الخصام، ومدافعين عنه إلى حد الهيام. وقد انطلقوا من وسم وسموا به أنفسهم وهو أنهم التيار الحداثي المتنور، الساعي إلى تطبيق المناهج الغربية في قراءة التراث ، والخروج بنظريات ورؤى أكثر نضجا وواقعية من التيارات التي زعمت أنها الممثل الوحيد لقراءة هذا التراث، وكذا أكثر استجابة لواقع شهد انفجارا في العلوم والمعارف والجوانب المادية فيه. وعلى كل فلأهل الاختصاص محاكمة ماوصل مكتوبا لأنه من شواهد الكاتب الباقية بعد مضي الأجساد، وأما البواطن ومااشتملته القلوب فالقائم عليها الذي يعلم السر وأخفى.