شهد مستوى الجريمة ببلادنا قفزة نوعية خلال السنوات الأخيرة، فقد انتقل من سرقة الهواتف النقالة وأحذية المصلين من المساجد إلى السطو في وضح النهار على محلات المجوهرات والهجوم على عشرات مراكز البريد والبنوك، وصولا إلى اختطاف أبناء الأثرياء والمقاولين والمطالبة بالملايير كفدية مقابل الإفراج عن الضحايا. هذه المعطيات ليست أفعالا يمكن تصنيفها في خانة الأفعال ''المنعزلة'' بل توحي، باعتراف مصالح الأمن ذاتها، بأن الجزائر تشكلت بها شبكات ''مافياوية'' وعصابات مسلحة بأحدث الوسائل والتقنيات، إلى درجة لم يعد أحد يأمن على نفسه من التعرض لأي اعتداء من أي نوع لا في النهار ولا في الليل، لا في الشارع ولا حتى في بيته . كما اتخذ الإجرام أشكالا جديدة وطرقا ذكية وملتوية تشبه ما يحدث في الأفلام، فالنصاب والمحتال اليوم لم يعد حتما ذاك النوع من الشباب الذي ما أن تراه حتى تشتبه في أنه من أصحاب السوابق العدلية، بل قد يكون امرأة عجوزا تشعر نحوها بالرأفة أو امرأة شابة في كامل أناقتها لا تمت هويتها لمظهرها على الإطلاق. عصابات نسوية تحتال على ربات البيوت' تعرضت فتيحة، سيدة في مقتبل العمر، إلى عملية سطو في عقر دارها بأحد أحياء أعالي بوزريعة بعد أن فتحت الباب لامرأتين طرقتا بابها طالبيتن كأس ماء مع سكر وكانت إحداهما قد ادعت التعب المفاجئ وهبوطا في مستوى السكر، ففتحت لهما الباب، ولما لم تستشعر الخطر طلبت منهما الدخول رغم أنها تخاف من الغرباء وتعتبر نفسها من أحرص الناس في التعامل مع الأجانب. وما أن أقفلت الباب حتى رأت الوجه الآخر للسيدتين، فقد غابت نظرة الاستعطاف والمرض ودخلت معهما في معركة خاسرة سلفا، لأن إحداهما كانت تحمل سلاحا أبيض فقامتا بربطها على كرسي قبل أن تفتشا البيت وتأخذا كل محتوياته الثمينة من أموال وخاصة مصاغ ذهبية. واتضح لها بعدها أنهما كانتا على علم بما تحوزه من ذهب في بيتها وأن هناك من زودهما بمعلومات وتواطأ معها في العملية ومؤكد أنه من معارفها أو جيرانها، فكل المؤشرات كانت تدل على ذلك، فاختيار الوقت كان دقيقا ومعرفة مكان المصاغ الذهبية كذلك. . . وقضايا النصب في عقر دارنا يتضح من خلال القضايا التي تعالجها أروقة المحاكم مدى تفشي مثل عمليات النصب هذه، بل وانتشار عصابات نسوية تمارس شتى أنواع النصب والاحتيال. بل وصار النصب والتواطؤ في مثل هذه القضايا يأتي من أقرب الناس، حيث تحول حاميها إلى حراميها مما ينم عن تغير في عقلية المجتمع الذي صارت تنخره الجريمة وكل أنواع النصب والاحتيال والتزوير. حظ السيدة أمينة لم يكن أكثر حظا من فتيحة، فهي الأخرى تعرضت إلى عملية نصب قذرة تسببت فيها زوجة شقيق زوجها التي تقطن معها في نفس البيت العائلي في الطابق السفلي، وهي التي أعمتها الغيرة ومشاعرها التي سيطرت عليها منذ أن وطئت قدما زوجة الشقيق بيت الزوجية فقد حظيت بكل الحب والاحترام من عائلة الزوج أما زوجها فقد أغدق عليها بالمهر والهدايا التي كانت من المصوغات الذهبية في كل مناسبة، ما أشعل نار الغيرة في صدر غريمتها وعدم الرضى بما قسمه الله لها، فقامت بالتواطؤ مع شقيقها باستبدال المصوغات الذهبية لزوجة ''سلفها'' بأخرى مقلدة مغشوشة صنعت بدقة لإحكام الخطة، لكن تفاصيل القضية ما فتئت تفجرت وأثبت التحقيق تفاصيلها بعد أن انهارت الكنة الأولى واعترفت بكل تفاصيل القصة مما عرضها في الأخير إلى فقدان كل شيء بعد أن طلقها زوجها الذي صدم من فعلتها وساءه ما تجرأت وأقدمت عليه هي وشقيقها، فرفض أن تبقى على ذمته يوما واحدا بعد ذلك وحرمها حتى من رؤية أبنائها رافضا أن تربيهم أم سمحت لنفسها بخيانة أهل زوجها بدافع الغيرة والانتقام. ارتفاع معدلات الجريمة بين نساء الجزائر كشفت دراسة جزائرية حديثة لخلية الاتصال بجهاز أمن الدرك الوطني أن أكثر من ألف امرأة دخلن عالم الإجرام خلال السنوات الأخيرة. وأشار مكتب الاتصال إلى أنه تم توقيف أكثر من 500 امرأة منذ بداية العام الجاري بتهمة ارتكاب جرائم عديدة منها السرقة باستعمال السلاح الأبيض وسرقة السيارات وممارسة الأعمال المنافية للآداب. فيما قامت مصالح الدرك الوطني بدراسة ميدانية امتدت من عام 2001 إلى بداية السنة الجارية أثبتت أن المرأة الجزائرية اقتحمت عالم الجريمة بكل أشكالها وباحتراف. وأضافت أن المرأة ارتكبت من 2001 إلى 2009 نحو 20623 جريمة، فيما تم توقيف 1336 مجرمة عام، 2009 بينما بلغ العدد خلال النصف الأول من العام الجاري 531 امرأة، أغلبهن تم اعتقالهن بتهمة الهجرة غير الشرعية وغيرها. وذكرت الدراسة أنه بصفة عامة بعدما كانت المرأة تمارس بعض الجرائم التقليدية مثل الأعمال المنافية للآداب التي هي أقدم مهنة امتهنتها المرأة عبر التاريخ، فإنها اقتحمت ميادين أخرى منها جرائم الضرب والجرح بالسلاح الأبيض وسرقة السيارات وتزوير وثائق السيارات والنقود وتهريب السجائر والمتاجرة بالمخدرات والاحتيال.