أشاد الدكتور زيد العساف، مدير المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، بتجربة الجزائر الرائدة في تكوين أساتذة باللغة العربية مباشرة بعد استقلال الجزائر والذين تولوا فيما بعد مهمة تعليم لغة الضاد. كما يسلط ضيف الجزائر، في هذا اللقاء، الضوء على المشاكل التي يعاني منها المركز العربي للتعريب، وأهم التحديات التي تواجهها عملية التعريب في الدول القطرية العربية وقضايا أخرى يحدثنا عنها العساف في هذا اللقاء الذي خص به ''الحوار''. هلا قدمت لنا المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في سطور مختصرة ؟ المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر هو أحد الأجهزة الخارجية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أنشئ العام 1989 بموجب اتفاقية أبرمت بين حكومة الجمهورية العربية السورية مع الأليسكو، أنيطت هذه الهيئة بشكل أساسي بمهمة المساعدة على تعريب التعليم العالي والعمل على إيجاد سبل للتعريب قطاع التعليم العالي وكذا كيفية توفير كتاب التعليم العالي المعرب لصالح المعاهد والجامعات الدول القطرية العربية. وهل يقوم المركز بما نسميه بالترجمة المعاكسة؟ فعلا بالإضافة إلى المهام الذي كلف به المركز هناك ترجمة معاكسة أي ترجمة بعض الكتب التي تبين تاريخ العرب ومساهمة الفكر العربي وتأثيره في الحضارة العالمية التي كتبت باللغة العربية إلى لغات حية أخرى، وكذا ترجمة روائع الفكر العالمي التي يمكن أن تفيد العملية التدريسية، يعنى أن كل أهداف ونشاطات المركز تصب في خانة خدمة تعريب التعليم العالي العربي، باعتبار أنه يفترض أن يكون التعليم ما قبل العالي معربا في كل الدول العربية. كيف تقيمون تجربة الجزائر في مجال التعريب؟ أصدقك القول إنه نتيجة الظروف التي مرت بها الجزائر، هذا البلد بلي بأصعب أنواع الاستعمار، أخره الاستيطان الفرنسي الذي يدعي أن الجزائر قطعة فرنسية، لذلك فرض لغته وكثيرا من الأمور حتى تبقي الجزائر تابعة لفرنسا. لكن عزيمة الدولة الجزائرية كانت فوق اعتبار مزاعم فرنسا الاستعمارية، حيث استطاعت أن تتخلص منه. في تقديري تجربة الجزائر في مجال التعريب محترمة لكن هناك بعض الأمور يجب التطرق إليها، إن الجزائر قامت فعلا بتعريب مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، وأبقت التعليم الجامعي بالفرنسية، هذا أحدث هوة وانقطاعا، جعل الطالب لا يؤمن بعملية التعريب ويكره عملية التعريب، هذا الطالب الذي تعود أن يتلقى تعليمه بالفرنسية لم يؤسس بالعربية فوجد الكثير من الصعوبات، ذلك كان أحد الأخطاء. في تقديري أن يكون التعريب سلسلة متتالية من المرحلة الابتدائية إلى الطور الجامعي. لكن قضية التعليم باللغات الأجنبية ليست فقط في الجزائر إذ تشجع البعض الدول العربية على فتح مدارس وجامعات أجنبية فوق أراضيها، فماذا تقول في هذا؟ هذا صحيح، لكن في تقديري أنه لا يمكن لأي دولة عربية أن تلزم الجامعات الخاصة بالتعليم باللغة العربية ، في حين الجامعات الحكومية بهذه البلدان لا تقوم بذلك، ويجب أن نهتم بالتعليم بلغة الضاد خاصة المرحلة الابتدائية التي تعد أخطر فترة في حياة التلميذ الدراسية، يجب منع الدراسة في الطور الإبتدائي باللغة الأجنبية، لأن طفلا في مقتبل العمر عندما يدرس باللغة الأجنبية يشكل ذلك له عقدة. والأمر الثاني أنهم يتحججون بانعدام المرجع العلمي وعدم وجود الأستاذ، إلا أن هذه الأمور قابلة لأن نتجاوزها وأن نؤمنها إذا كانت لدينا إرادة العمل، فلغة الأم هي التي يجب أن تكون السائدة ورائدة في مختلف مراحل الحياة. وصفت الترجمة في الوطن العربي بالتخلف والوهن، بماذا تفسر ذلك؟ هذا الكلام فيه الكثير من الصحة، لماذا؟ لأنه تعددت الجهات والهدف واحد، يعني هيئتنا معنية بالتعريب، وهناك مراكز للترجمة تابعة في ذات الوقت لمؤسسات عربية. أنا أقول هناك عدة أنواع من الترجمات، هناك ترجمة لعامة الجمهور وترجمة تقنية... كان يفترض أن يحدث مجلس تنسيقي لتكثيف كل مركز من المراكز بترجمة أمر يخص منحى معينا من مناحي الحياة، فمثلا المركز العربي لا يترجم إلا ما يخدم مسيرة التعليم العالي وما يخدم إجلاء الغموض والسمعة التي ألحقت بالعرب والمسلمين، وأهم من ذلك نحن حين نترجم الترجمة المعاكسة ليس فقط ليفهم الإسبان والإنجليز... ما قدمنا للحضارة، بل حتى يفهم أبناء الجالية مساهمة قومهم، إن صح التعبير، ودورهم في ابتكار العلوم التي تخدم البشرية قاطبة، لكن للأسف هناك جهات في الوطن العربي تترجم كتبا هابطة لا تغني المعرفة ولا الأخلاق. الترجمة والتعريب في الوطن العربي بصفة عامة يواجه عدة تحديات في غياب مشروع اجتماعي وثقافي، واقتصرت مسألة التنمية لهذه البلدان على الجانب الاقتصادي فقط، فكيف السبيل لتجاوز هذه الإشكالية؟ هناك عدة أمور في رأيي، يجب أن ننطلق في إزاحة العقبات التي تعيق عملية التعريب في الوطن العربي. بالنسبة لعملية التنمية في الوطن العربي، أهم قضية تعيقها هي هجرة الأدمغة العربية خارج بلدانها وممارستها لنشاطها خارج أوطانها ولفائدة غيرها، وهذا أكبر عامل للتقصير، بالإضافة إلى عدم توفير فرص العمل للطاقات وحاملي الشهادات في مختلف التخصصات. أما قضية التعريب في هذه البلدان فحدث ولا حرج، إذ تواجه هذه المسألة عدة أخطار، الخطر الأول يتمثل في المصطلحات التي تقذف يوميا من هذه الثورة التي تسمى بالعولمة وعلينا نحن العرب أن نتابعها باهتمام حتى نجد لها لفظا مقابلا لها، ونحذو حذو الدول التي سبقتنا مثل اليابان، الصين، كوريا الجنوبية التي حققت تقدما علميا وثقافيا ورخاء اقتصاديا بلغتها الأم، فيجب أن نبدأ بترجمة جميع المعطيات الجديدة، صحيح اللحاق بهم وفق إمكاناتنا الذاتية أمر صعب، لكن علينا نحن العرب أن ننقد ونوطن العلم وعندما نصل إلى هذه المرحلة يمكن لنا أن نبتكر بلغتنا العربية. وماذا تقترحون لحل مشكلة تعريب التعليم؟ إن بداية حل هذه المشكلة هو استصدار قرار سياسي، لكن للأسف لم يتخذ ولم ينفذ في بعض الدول العربية. سأعطيكم تجربة عمرها أقل من شهر الجامعات الخاصة بسورية حاولت ان تدرس باللغة الإنجليزية ووضعت الإعلانات توضح فيها أن هذه الجامعات الطالب فيها يتلقى دروسا باللغة الإنجليزية، فأصدر المجلس التعليم العالي قرارا يقضي أن جميع الجامعات المنتشرة في الجمهورية السورية الحكومية والخاصة تدرس باللغة العربية. تعريب التعليم يصطدم بشكل مباشر بإشكالية عدم إعداد مؤطرين لهذه العملية الذين مازالت ألسنتهم مستغربة، فما ترى في ذلك؟ فعلا، لكن للأسف مهمة المركز العربي ليس تعريب الأستاذ والمعلم، بل إيجاد مصطلح سليم باللغة العربية، نحن نسهل على الأساتذة كالتالي في كل كتاب يوجد معجم للمصطلحات ما يقابله باللغات الأجنبية. أما تهيئة الأساتذة فهي من مهمة الدول، وفي تقديري الجزائر خاضت تجربة لابأس بها، فحين حاولت التعريب استقدمت أساتذة من سورية والأردن من دول عربية أخرى، كونوا مجموعة من الأساتذ قادت العملية التدريسية باللغة العربية بالبلاد. عندما يقرر التعريب في اعتقادي هناك من الدول العربية التي سبقت إلى هذا المجال يمكنها أن تقدم يد المساعدة لنظيرتها، مثل ما هوحال بالنسبة للجزائر حين قررت التعريب، ويجب قبل كل هذا على كل دولة أن تزيل ما يعيق التعريب فكل دولة لها مشاكلها الخاصة وهي تختلف من دولة لأخرى. هل فكر المركز بترجمة الكتب العبرية؟ لا لم يفكر، لكن لما لا إذا توفر المهم، فيجب أن نتعرف على لغة العدو وتراثه وكل شيء عنه، بالمناسبة إن كيان العدو لديه مجمع كبير ينتج باللغة العبرية، ويترجم من العبرية إلى العبرية، وباللغات الأخرى. ما هي المشاكل التي تعتري عمل المركز؟ تأتي مشكلة توزيع الإصدارات في طليعة قائمة المشاكل التي تعترض مهام المركز، فأجور البريد باهظة جدا وبالتالي لا يمكن أن ندفع أجور البريد لأكثر من ثماني مطبوعات لذلك. تضاف إليها مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي قلة الميزانية المالية، فما يتوفر لدينا من أموال نستغله لترجمة التعليم العالي، لكن المركز يصدر مجلة التعريب عبر الأنترنت. فالمشكلة التسويقية والمالية التي يعاني منها المركز العربي للتعريب سببها عدم وجود إرادة سياسية للتعريب في الوطن العربي. ما معدل الكتب المترجمة في السنة التي يقوم المركز بإنتاجها؟ من ستة إلى ثمانية إصدارات. وهل هذا كافٍ في نظرك؟ شكرا على هذا السؤال، فعندما أنشئ المركز مع قرار عربي لتعريب التعليم العالي، خصص لهذا المركز خمسون مليون ليرة سورية من الحكومة السورية بهدف إنشاء مطبعة ملحقة بالمركز، على نية أن يترجم هذا المركز ما يكفي للجامعات العربية، ولكن التراجع عن القرار جعل إمكانات المركز محدودة، كان يفترض من الدول العربية أن تساهم في ميزانية المركز لأنها المستفيدة، هذا ما قلص من إنتاج المركز، فهذه الهيئة ليست ربحية بل هي مؤسسة خسارة.