قطعت أحزاب العملية السياسية في العراق شوطا كبيرا لإنهاء الجمود السياسي الذي خيم على المنطقة الخضراء ثمانية أشهر، وتوصلت لمعادلة لاقتسام السلطة على أساس المحاصصة الطائفية الجارية منذ سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي. وبعد ثلاثة أيام من اجتماعات ماراثونية بين أربيل وبغداد انتهت بانعقاد جلسة للبرلمان تم خلالها تنصيب رئيس له هو أسامة النجيفي أحد قادة القائمة ''العراقية''، وتم ذلك بعد أن نجحت المساومات في تثبيت نوري المالكي رئيسا للوزراء وتمكن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من إبقاء خصمه السابق جلال الطالباني رئيسا للجمهورية في بغداد لولاية ثانية. وبمقتضى المحاصصة تنازل إياد علاوي عن ''حقه'' في رئاسة الوزراء ليتولى رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، وهو منصب مفترض، بينما ترددت أنباء عن تولي القيادي في ''العراقية'' صالح المطلك المتهم من المالكي ذاته بأنه بعثي حقيبة الخارجية، وذلك إثر صفقة حصلت في آخر لحظة بين المالكي وعلاوي.وكشفت مصادر في القائمة ''العراقية'' أن اجتماعا جرى صباح الخميس، قررت فيه القائمة تسمية زعيمها إياد علاوي لمنصب رئيس المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية الذي سيتم تنظيمه بقانون يقر في مجلس النواب لاحقا مع منحه صلاحيات تنفيذية.ووفقا لتلك المصادر سيبقى كل من طارق الهاشمي ورافع العيساوي في منصبيهما وهما نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء على الترتيب، في حين يتولى أسامة النجيفي منصب رئيس مجلس النواب، كما يتولى صالح المطلك منصب وزير الخارجية.وقالت مصادر سياسية ان الذي ساعد على حسم الأمورهي تلك الصفقة التي تمت في اجتماع خاص بين المالكي وعلاوي والبارزاني قبل جلسة البرلمان.وكشفت تلك المصادر أن اجتماعا جمع نوري المالكي وإياد علاوي ومسعود بارزاني قبل الجلسة لانضاج ما اسماه بالصفقة قبل عقد جلسة مجلس النواب. وقالت مصادر من المنطقة الخضراء إن أهم ما تم بحثه بين الزعماء الثلاثة هو الغاء قرار ما يسمى ''هيئة المساءلة والعدالة'' بحق مرشحي القائمة ''العراقية'' صالح المطلك وظافر العاني وباسم العوادي وعودتهم للمشاركة في العملية السياسية.وبعد أن تم حسم ملفات ''الرئاسات الثلاثة'' من المتوقع أن ينغمس قادة الكتل في معارك جديدة حول توزيع الحقائب الوزارية، وأشار مسعود البرزاني في بغداد الخميس أن المشاورات بشأن توزيع الحقائب قد تستغرق شهرا، إلا أن مراقبين آخرين يتوقعون أن يتجاوز ذلك الشهر بسبب الصراع على الوزارات ''السيادية'' والصلاحيات.ولم يثر إعلان الكتل السياسية عن اتفاقها ردود فعل كبيرة في الشارع العراقي، لكن كثيرين أبدوا مخاوفهم من أن تشهد بغداد موجة من التفجيرات، فيما أثار موقف مسعود البارزاني من استعداد إقليم كردستان لاستضافة مسيحيي بغداد استياء كبيرا بسبب ما وصف بأنه يدخل ضمن ''مؤامرة'' لإعادة توزيع الطوائف على البلاد بموازاة توزيع الحصص الحكومية. وخارجيا رحبت الولاياتالمتحدة بالاتفاق الحاصل في بغداد، وقال البيت الأبيض إن ''الاتفاق الذي تم التوصل اليه لتشكيل حكومة تعددية خطوة كبيرة الى الامام في العراق''. وفي القاهرة رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى باتفاق توزيع المناصب في بغداد، وقال موسى، في تصريحات بمقر الأمانة العامة للجامعة ''من المهم اتفاق الأخوان في العراق والزعامات العراقية ومختلف الأحزاب على تشكيل الحكومة في السنوات القادمة. وفي ذات السياق كشفت صحف بريطانية أمس الجمعة ان ''الانجاز السياسي'' الذي حققه زعماء العراق الخميس بتقاسم السلطات هو اتفاق ''هش'' وربما يقود إلى تكرار أزمة ''المحاصصة اللبنانية'' ، بل ويهدد ايضا بمزيد من الفوضى السياسية بالبلاد بعد ثمانية اشهر من الانتخابات . وذكرت صحيفة ''الفايننشال تايمز'' البريطانية ان الصفقة السياسية التي أعلنها زعماء العراق الخميس ''هشة'' وقد تكون أقرب إلى نظام ''المحاصصة اللبناني'' منها إلى الوحدة الوطنية''.وقالت ''لا شك ان هذه الصفقة ستلاقى ترحيبا دوليا كبيرا لطالما تضع حدا للمأزق الخطير الذي تتخبط فيه البلاد منذ إجراء الانتخابات العامة قبل نحو ثمانية أشهر''. وقالت صحيفة ''الغارديان'' البريطانية ''قادة العراق يؤيدون صفقة هشة لتقاسم السلطة'' ، بعد التعرض لضغوط إقليمية ودولية كثيرة من أجل الوصول إلى هذه الصفقة والذي انقذها موافقة إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي السابق، في اللحظة الأخيرة على مشاركة كتلته ''العراقية'' في الحكومة العتيدة.ومن جانبها ، ركزت صحيفة ''التايمز'' البريطانية على انسحاب علاوي من جلسة البرلمان الخميس مع أعضاء كتلته ''العراقية'' احتجاجا على رفض المجلس التصويت على مشروع لإلغاء برنامج ''اجتثاث البعث'' كما كان متفقا عليه قبل الجلسة.وذكرت الصحيفة ان هذا الانسحاب ''يهدد بالفوضى مع اقتراب العراق من الحكومة بعد ثمانية أشهر''.