نصف قرن بالتمام والكمال مرت اليوم على قطعة من ملحمة صنعها هذا الشعب وهو يخرج إلى الشوارع والأزقة مدججا بسلاح الإيمان بالقضية والصدور العارية ليلقن فرنسا الاستعمارية درسا من دروس إثبات الكيان وتقرير المصير. قد تبدو القضية بسيطة لأول وهلة لمن لم يخبر المعامع وقرع الخطوب، لكن بالعودة إلى سياقات القضية وسيرورة المعركة والتحديات الداخلية والخارجية في ظل سماء إعلامية شحيحة وتعتيم رهيب يدرك درجة الوعي وصدق الإيمان وفعالية العمل الشعبي والجماعي الذي يحكمه المآل والمصير الواحد. كما لا يجب حصر التفكير من خلال الوقوف عند النتائج على قضية محدودة على ظلال حدود خريطة الجزائر، بقدر النظر إليها أيضا كفعل إنساني متعد، يصلح أنموذجا للاقتداء ومنبعا للاستلهام وسيفا في وجه كل من تدثر أو سيتدثر بغطاء الاستعمار سواء كان شرقيا أو غربيا، أبيضا أو أسودا أو مزيجا من الألوان، لأن للكرامة الإنسانية ومتطلبات صونها والحفاظ عليها واحترامها وصفة وحيدة منها المنطلق عبر الاعتراف بالمباينة واحترام حرية التعبير اجتماعيا وثقافيا وسياسيا عن الكيان، وقد كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تجليا كل المعاني السابقة، وصفعة في وجه كل من يروم القفز على الحقائق ووقائع الميدان بالتزييف أو بشراء الذمم كما يفعل المستعمرون الجدد وهم ينتهكون الكرامة الإنسانية بسياط من حرير. وبالإضافة إلى ما سبق ستبقى الذكرى بطارية لشحن الطاقات، ووقفة لربط الحاضر والمستقبل بالماضي المجيد، ودواء لداء النسيان، لأننا لم ننسى ولن ننسى بشاعة الجرائم، وتلون المجرم.