أرسلت الجزائر خلال الأسبوع الفارط، ثلاث رسائل سياسية في غاية من الأهمية، تؤشر كل منها أن الجزائر لديها صوت لا يمكن لأي جهة مهما بلغت من القوة أن تتجاهله أو تحسب حساباتها من دون الإصغاء إليه والأخذ به في أي خطوة ستقدم عليها. أول هذه الرسائل ما أعلن عنه الرئيس بوتفليقة بشأن دعم الجزائر لحصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن في إطار المساعي الجاري التفاوض عليها حول إصلاح الأممالمتحدة، وهو دعم تعلم ألمانيا جيدا أنها في أمس الحاجة إليه إن كانت تريد أن يكون لها حق ''الفيتو''، وبالتالي فهي ورقة لم تقدمها الجزائر مثلما قد يتصور حبا في عيون أنجيلا ميركل، بقدر ما هي مبنية على '' تفاوض'' الند للند. ثاني رسالة هي تلك التي أعلنت عنها الجزائر بشأن الأزمة في كوت ديفوار التي يسعى الغرب لاستعمال الخلاف الانتخابي بين لوران غباغبو والحسن وتارا، للتدخل في الشؤون الداخلية لساحل العاج سابقا، كما تفعل واشنطن وباريس، بحيث أعلن الرئيس بوتفليقة صراحة أن الجزائر ليس لها موقف شخصي من القضية، وردها هو نفس الرد الذي سيصدره الاتحاد الإفريقي، وهو قرار يحسب للجزائر التي قطعت بذلك خطوة عملاقة لم يحققها الاتحاد الأوربي حتى بعد عقود من الزمن، وهي أن إفريقيا بإمكانها التحدث بصوت واحد في سياستها الخارجية إزاء مختلف القضايا الدولية والجهوية، وبإمكانها أن يكون لها إجماع في حل مشاكل القارة السمراء دون الحاجة لتدخل الآخرين. الرسالة الثالثة تتعلق بما نشره موقع ''ويكيل يكس''، بخصوص ما كانت تقوله الجزائر في ''السر'' لزوارها من القادة والمسؤولين والوزراء الأمريكيين في مختلف لقاءات المباحثات بين البلدين، والتي كشفت أن السياسة الخارجية الجزائرية واحدة ومواقفها هي نفسها بين ما تعلنه بصوت عال أو بين ما تقوله بصوت خافت من الفم إلى الأذن، وهو موقف نادرا ما تجده لدى أي دولة من دول العالم التي ''تنافق'' في علاقتها الدولية وتعتمد خطابا مزدوجا، ولذلك فحتى وإن تسببت الوثائق المسربة من قبل ''ويكيليكس'' في فضح مواقف أكثر من دولة وخلقت انزعاجا لدى مسؤوليها، فإنها لم تحرك أي شعرة من رأس الدولة الجزائرية، وهي رسالة تدل على أن الجزائر التي تملك ثورة بقيمة وحجم ثورة نوفمبر ليس بمقدورها أن تبيع وتشري على حساب مبادئها.