ماذا بعد رحيل مبارك وبن علي؟ سؤال يطرحه أكثر من واحد على امتداد الخريطة المائية للشعوب العربية، التي كتب عليها القدر إتقان فن الغرق والإغراق بعد أن ورثته عن الفراعنة في الوقت الذي ورث فيه الآخرون الجمهورية الأفلاطونية. لن أتفلسف في تحليل السؤال لأنني لا املك إجابة واضحة عنه حالي كحال الكثيرين من العرب العاربة والمستعربة، لأن الذي يقودك قودا إلى مناقشة مثل هذه الأطروحات تلك النبرة التفاؤلية المبالغ فيها من قبل من يحاول تحطيم هذه الثورة الشعبية أو بالأحرى الثورات الشعبية بمزيد من الإيغال في الأحلام الوردية التي تفوق أحلام شباب الضفة الجنوبية وهم يتمنون تحسين السلالة عبر النظر إلى الفضاءات الدنمركية والسويدية. فمن المغالطة بمكان الاعتقاد أن نجاح ثورتي شعبي تونس ومصر سترتقي بهما إلى مصاف الدول العريقة في ترسيخ الحرية والعدالة الاجتماعية، ليكونا في مستوى رديف لما هو عليه الحال في كل من بريطانيا وسويسرا، لأن أمالي الأماني لا يجب لها أن تجاوز حدود الواقع المعقول. لأن القريب إلى العقل والمنطق هو تحرير متنفسات لا ترقى إلى المساحات الشاسعة، بالمحافظة عليها وتثمينها وعدم تمييعها، وبعد سنوات من ترجمة الوعي في مختلف المجالات إلى سلوكات حضارية حسب درجاته، يمكن الحديث عن المقارنة بالاستناد إلى المفارقة والفروق، بعيدا عن الأماني المجازية والهوى غير المطواع. ومفارقة المفارقات من الحكاية بأجملها استحضار تلك النصيحة الذهبية لداهية من الدهاة لأحد ساسة العرب القدماء يوصيه فيها بتحصين ملكه بالعدل في جميع شعاب الحياة، لأن بن علي فهم ومبارك لم يكن ينتوي، في الوقت الذي فهم فيه التونسيون وانتوى فيه المصريون.