السياحة الحموية و الألعاب التقليدية من يوميات العائلات وشباب المنطقة تعتبر ولاية خنشلة من بين الولايات التي تشتهر بتاريخها العريق، حيث شهدت تعاقب العديد من الحضارات جعلتها ملتقى للثقافات، الأمر الذي أكسبها سيرة عبقة تفوح بعطور التراث وتجلب اهتمام الشغوفين للارتواء من مشارب فنونها وإبداعاتها، عاداتها وتقاليدها الأوراسية الأصيلة، خنشلة اليوم تدعو جميع الجزائريين والأجانب للتعرف عليها والخوض في تاريخها واكتشاف روائعها النادرة. تكتسب خنشلة تاريخا عريقا يعود إلى عصور غابرة بحيث استقر بها الإنسان خلال فترة ما قبل التاريخ، وتشهد على هذه الحقبة المهمة تلك الآثار المكتشفة بالمنطقة مثل المغارات والمصاطب برؤوس مقوسة امتزج تاريخها بتاريخ البربر الذين سكنوا شمال إفريقيا منذ القدم ليتمركزوا بخنشلة وضواحي الأوراس، حيث كان مستقرهم، بالنظر إلى المزايا التي تتميز بها المنطقة.
عراقة التاريخ وشواهد الآثار أقدم الفينيقيون على إقامة مرافئ على طول السواحل الشمالية لإفريقيا ثم توغلوا نحو الداخل وربطوا علاقات تجارية مع بربر خنشلة لتصبح خنشلة ملتقى للتبادل التجاري، وفي بداية القرن الأول الميلادي وصل الرومان إلى مشارف الأوراس وشيدوا مدينة "ماسكو لا" التي كانت في بادئ الأمر مستعمرة عسكرية شيدتها الفرقة الثالثة، ومن معالم هذه الفترة "حمام الصالحين"، " اكوفلافيانا" بالإضافة إلى الكتابات اللاتينية التي تمجد "خيساسيان" وابنه "تينوس" والطرق التي تربط بين تيمقاد وماسكولا وتيفاس. دخلت خنشلة العهد البيزنطي سنة 534 ميلادي الذي استمر إلى غاية 646 ميلادي، وخلال القرن السابع الميلادي دخلت خنشلة عهد الفتوحات الإسلامية على يد حسان بن النعمان وبعد صراعات عديدة انتهت باعتناق البربر الإسلام ليتحولوا بدورهم إلى فاتحين، وعند العهد العثماني كانت خنشلة تابعة إلى بايلك قسنطينة وخضعت إلى حكم مباشر للسلطة العثمانية، وفي ربيع 1842 ميلادي احتلت فرنساخنشلة بعد مقاومة شرسة من طرف سكان المنطقة الذين شاركوا في مختلف المقاومات الشعبية والثورة التحريرية الكبرى.
"سيدياس" و "تبردقة" قبلة السواح الأجانب المميزات السياحية للولاية متعددة وخلابة تعكس عمق الحضارات وانصهارا الثقافات بالمنطقة منذ مد العصور، وأضحت هذه الآثار مقصد للعديد من سكان المنطقة والولايات المجاورة للاطلاع على العمق التاريخي لها، في حين يبقي السواح الأجانب الأكثر انجذابا للمنطقة خاصة بالنسبة لموقع "سيدياس" أو ما يصطلح على تسميته قصر الحازية بقرية أولاد عزالدين هو في الأصل ضريح أحد أكبر القادة الرومان، وهناك كذلك الموقع الأثري الذي يضم تمثال الكاهنة، وموقع "تبردقة" الذي يقع بمنطقة ششار ويتميز بتصاميمه الهندسية التي تحفظ البصمات البربرية، وما يزيد الموقع جمالا واستقطابا للزوار هو موقعه في جبال حلزونية الشكل. كما لا يخفى على أحد أن الولاية تعد قبلة للسياح الشغوفين بالحمامات المعدنية، حيث يقصدون "حمام الصالحين" الذي يعود إلى العهد الروماني القديم ولا تزال الولاية تحتقظ به لغاية اليوم، ويتميز هذا المعلم بهندسة معمارية فريدة من نوعها بالنظر إلى هيكل الأحواض المائية الدائرية الشكل والخاصة بالسباحة وأخري مربعة تحيط بها أعمدة سميكة، جمال الموقع يعود إلى موقعه في وسط طبيعي جذاب، وإلى جانب ذلك تشتهر الولاية بتراث فلكلوري مشهور يعكس موروثها الشعبي وتنوع طبوعها التي تغوص بك في أعماق الشخصية الأوراسية الأصيلة منها فرق "الرحابة" التي تعتبر فرقة للأصوات الرجالية لا يتعدي عددهم عشرة منقسمين إلى مجموعتين يؤدون غناء مشتركا في الغزل والمدح، واشتهرت خلال الحقبة الاستعمارية بأداء أغان ثورية تعبر من خلالها على القضية الجزائرية، بالإضافة إلى ذلك فقد ارتبطت الفروسية بالمنطقة ارتباطا وثيقا رسخته التقاليد العريقة في هذا الميدان بالنظر إلى الإستعراضات للفرسان و"الفانتازيا". وإذا توغلنا أكثر وسط الشباب فإننا نلمح ذلك الرباط الوثيق الذي لا يزال يربطهم بالتقاليد خاصة من حيث الألعاب اليومية التي يستغلها الشباب للترويح على النفس خلال فصل الصيف وأيامه الطويلة منها لعبة "الخربقة"، وهي رقعة تتكون من 49 خانة وتكون فيها المنافسة بين لاعبين لكل منهما 24 بيدقا وهي تشبه إلى حد كبير لعبة الشطرنج، وهناك أيضا لعبة "السيق" وهي عبارة عن ستة قطع خشبية لا يتعدي طولها 12 سنتيمتر يلعب بها الشباب المشكل في مجموعتين للتباري والظفر بأكبر عدد من النقاط، أما لعبة "القوسة" أوما يصطلح على تسميتها "تاكورث" فهي تلعب بعصي مقوسة في ميدان كبير وتشبه إلى حد كبير لعبة "الهوكي"، في حين يستعمل الشباب الحصى في لعبة "الكرود" لجمع أكبر عدد من النقاط وتلعب بين اثنين وأكثر كل حسب دوره، وهي لعبة تنتشر كثير وسط البنات.