لم يعد سائقو سيارات ''الكلاندستان'' يتخذون الحيطة والحذر من رجال الشرطة خلال تأديتهم عملهم في نقل المواطنين بطريقة غير شرعية من مكان لآخر، منافسين بذلك أصحاب سيارات الأجرة، فمطاردة الشرطة لهم ليست هاجسهم الوحيد بعد الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها العديد منهم من طرف مافيا سرقة السيارات التي وجدت في هؤلاء لقمة سائغة من أمثال ''عثمان'' الذي يصارع الموت جراء تعرضه للاعتداء بداية هذا الأسبوع. حديث الشارع بساحة أول ماي هذا الأسبوع يدور حول قصة ''عثمان الكلانديستان'' الذي يرقد اليوم بالعناية المركزة في قسم الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا بعد وقوعه ضحية اعتداء من عنصرين من مافيا سرقة السيارات والتي باتت تزرع الخوف في قلوب سائقي ''الكلانديستان'' هذه الأيام، فحادثة الاعتداء على ''عثمان'' جعلت من بقية أصدقائه ورفاقه ممن يتخذون من ''الكلانديستان'' سبيلا للاسترزاق إلى درجة عدول بعضهم عن هذا العمل مفضلين البطالة على الموت أو فقدان سياراتهم. أول ماي... باب الزوار رحلته الأخيرة ''عثمان'' صاحب ال 34 سنة احترف البطالة حتى الملل فقرر منذ سنتين الخروج منها واقتحام عالم الشغل حتى وإن كان بطريقة غير شرعية، فدخل سوق العمل الموازية باتخاذه من ''الكلانديستان'' حلا للهروب من البطالة، مرت سنتان وهو يمارس عمله هذا دونما مشاكل سوى تلك التي يواجهها من الحين للآخر من طرف شرطة المرور في ساحة أول ماي الذين يعملون على منع توقف أي سيارة بالقرب من محطة البنزين الموجودة قبالة المستشفى، وكل من يضبط متوقفا هناك تسحب منه وثائق السيارة، إلا أن هذا لم يشكل له عائقا في العمل فقد كان يحتاط جيدا. روى أصدقاء ''عثمان'' الذين شاهدوه آخر مرة قبل تعرضه للحادث أنه كان واقفا كعادته مساء السبت المنصرم أمام محطة البنزين في انتظار قدوم زبون ما فتقدم نحوه شابان في العشرينيات وبقيا يتفاوضان معه حوالي 5 دقائق عن سعر التوصيلة إلى غاية باب الزوار، وفي الأخير اتفق معهم على سعر محدد، وتوجه الثلاثة إلى سيارة ''عثمان'' من نوع ''''206 ولم يشاهدوه يرجع إلى مكانه المعهود بعد صلاة المغرب بحثا عن زبائن آخرين، إلى أن بلغهم نبأ تعرضه لاعتداء بالسلاح الأبيض وأنه متواجد بقسم الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا. وحسب ما رواه لعائلة الضحية من قاموا بالاتصال بالشرطة لإنقاذه، أنهم شاهدوا سيارة من نوع ''''206 تسير بطريقة غير عادية حيث كانت تنعرج ثم توقفت بعيدا عنهم بحوالي 100 متر وفتحت الباب الأمامية للسيارة من جهة السائق وألقيت منها جثة رجل وانطلقت بعدها السيارة مسرعة، خاف الشخصان اللذان كانا يحاول أحدهما مساعدة الثاني على جر سيارته إلى مرآب تصليح السيارات على الطريق السريع المؤدي إلى باب الزوار، من الاقتراب من الجثة، وقاما بالاتصال بالشرطة بعدما لاحظا أن الجثة تتحرك. ومن جهتهم أكد الأطباء لعائلة ''عثمان'' أنه تعرض للضرب على مستوى الرأس بسلاح أبيض، فأداة الجريمة عبارة عن آلة حادة تسببت في إحداث جرح عميق على مستوى الرأس كاد يودي بحياته، لولا نقله على جناح السرعة إلى المستشفى وتزويده بكمية معتبرة من الدم، إلا أن هذا لم يمنع من دخوله في حالة غيبوبة لا أحد يدري متى سيستفيق منها. عثمان ليس الضحية الأولى حادثة الاعتداء على عثمان التي اهتز لها سكان أول ماي ممن عرفوه وتنقلوا معه في سيارته، وكانت السبب في اعتزال عدة سائقين آخرين هذا المجال ليست الأولى، حيث ذّكر ''دحمان'' من سكان الفوج الأول كل من قرروا التوقف عن هذا العمل بالطريقة الهوليهودية التي فقد من خلالها سيارته السنة الماضية، عندما أقل معه رجلا وامرأة طلبا منه أن يأخذهما إلى بني مسوس في مساء بارد من شهر فيفري، فوافق ظنا منه أنهما زوجان حسب ما كان يبدو عليهما من الوهلة الأولى، فقد طلب منه الرجل التوقف أمام أحد محلات المواد الغذائية لشراء العصير لزوجته لأنها تشتهيه وهي في أشهرها الأولى من الحمل فلبى طلبه وكعربون امتنان قدمت له المرأة كوبا من العصير فرفض تناوله ومع إلحاح الزوجين قبل وتناوله ولم يستفق بعدها إلا في اليوم الموالي في مكان خال ببني مسوس، ففهم أنه راح ضحية سرقة. ما جرى مع ''دحمان'' سابقا ومع ''عثمان'' حاليا جعل المواطنين الذين وجدوا في العمل الموازي في قطاع النقل يتخوفون من مواصلة عملهم، وهم في نفس الوقت غير قادرين على التوقف عن عملهم، فغالبيتهم أرباب أسر ومسؤولون عن عائلات احتياجات أطفالها تتزايد يوما بعد يوم، فيبقى هؤلاء محتارين بين مواصلة العمل، معرضين حياتهم للخطر أو الوقوع في شباك مافيا سرقة السيارات أو التوقف ومصارعة الفقر.