يتساءل الكثير عن السر والغاية التي تقف وراء التصريحات النارية التي أطلقها نائب الأرسيدي نورالدين آيت حمودة نجل الشهيد عميروش من تحت قبة البرلمان والتي شكك فيها في عدد شهداء الثورة التحريرية، كما يتساءل البعض عن التوقيت والظرف الذي أطلقت فيه وتزامنها مع حملة إعلامية موازية شنتها أطراف معروفة حول قضية المجاهدين المزيفين. فما هذه الصدفة التي اجتمعت في خرجتين الأولى برلمانية والثانية إعلامية لتحدث كل هذه الضجة أياما قلائل قبل الاحتفال بالذكرى الرابعة والخمسين لعيد الثورة، ومن المستفيد الحقيقي من هذه التمثيلية المكشوفة؟. لقد جاءت تصريحات نائب الأرسيدي آيت حمودة المشككة في رقم المليون ونصف المليون شهيد والطاعنة في ثورية العديد من الوجوه التي قال إنها تسكن هرم السلطة وتتبوأ مناصب حساسة في الدولة من دون تحديدها، في سياق مفاجئ وخلال جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة قانون المالية ليفاجئ هذا النائب الجميع ويحول مداخلته إلى انفجار تعدى دويه مبنى زيغود يوسف، فشكك في عدد الشهداء وفي عدد المجاهدين بدعوى أن السلطة منذ الاستقلال لم تعط الأرقام الحقيقية حول كل شيء واللاشيء في منطق آيت حمودة، واستند إلى عمليات حسابية ليبرر ما يعتبره تضخيما ومغالطات وفق أسلوب التهريج والتهويل، ثم كال الاتهامات بالجملة لمؤسس المالغ عبد الحفيظ بوالصوف والعقيد هواري بومدين واتهمهما بالضلوع في اغتيال والده الشهيد عميروش رفقة سي الحواس واتهم وندد وشجب ... لكن الغريب في هذه التصريحات التي لا يستطيع أي جزائري مهما كان موقعه وانتماؤه إلا أن يستغربها أنها جاءت في سياق سياسي أكثر منه تاريخي، فحتى لو تقبلناها من منطلق الرأي والرأي الآخر فليس آيت حمودة المخول وحده للتكلم باسم التاريخ وليس هو ومن وراؤه الأرسيدي من يملك الحقيقة التاريخية ليصححوا ما يرونه تغليطا وتعديا على الثورة لأنها بهذه الطريقة تبقى مجرد مزايدات سياسية مكشوفة ومحاولات لإثبات الذات ولو بالدوس على حرمة الشهداء والرقص فوق جماجمهم للفت الأنظار، والضحية هنا طبعا التاريخ والشهداء ولا شيء غيرهما. كان أحرى بآيت حمودة أن يتحلى بشيء من الشجاعة والمسؤولية ويقول للشعب وهو ممن يمثلونه في البرلمان عن هذه الأسماء التي استعملها هو وحزبه كقميص عثمان للفت الانتباه ومحاولة كسب بعض التعاطف الشعبي، خاصة وأن الرئاسيات على الأبواب، وبأية وسيلة عبر بوابة الشهداء وبشرعية عميروش، وكان حريا به وهو ابن بطل من أبطال هذه الثورة الأشاوس أن يترك أباه في قبره مستريحا بدل فتح نقاش هدام، وفي هذا الظرف بالذات الذي تتحرك كل أوساط الحركى واللوبيات الفرنسية الحاقدة على جزائر عميروش وبن بولعيد وبن مهيدي لتبث السموم وتزرع الشك وتقزم ثورتنا العظيمة، وهي التي مافتئت تبحث عن معابر للعودة مرة أخرى عن طريق الأقدام السوداء وتحت ذريعة استرجاع الممتلكات. إن المطالبة بالحقيقة وموضوعية الأرقام هي كمن يخير شخصا بين عد شعر رأسه بدقة أو مواجهة المصير المحتوم، وإذ نتكلم هنا فليس من باب التعاطف مع فريق سياسي ضد آخر بما أن المسألة بدأت بملاسنات بين نواب من كتليتين مختلفتين أو الدفاع عن التنظيمات الثورية، لكن للتوضيح بما أن الثورة ورموزها ومقداساتها أصبحت الوسيلة والضحية في آن واحد، إن أي مواطن صالح فيه ذرة من الشهامة والنخوة لا يسعه إلا أن يستنكر ويأسف لهذه الهدية العظيمة التي قدمت على طبق من ذهب لفرنسا ''الساركوزية'' عشية نوفمبر وهي التي لا زالت تصر على التغني بقانون 23 فيفري ولا تنظر إلينا إلا بمنطق الاستعمار المتغطرس. وحتى الاتهامات التي كان بوالصوف وبومدين وأحمد محساس في تصريحات لاحقة عرضة لها، ليس البرلمان مكانها، ومن حق الجزائريين إذا أن يطالبوا بالكف عن هذه المزايدات وممارسة السياسة باسم التاريخ ووفق منطق خالف تعرف ولو بإتيان الكبيرة التاريخية، التي تبقى في النهاية هدية لم تكن فرنسا تنتظرها خاصة وأن التواريخ والمناسبات في لغة السياسة والمصالح لا تعترف بالصدفة، إن مثل هذه الطرق نخاف أن يأتي يوم يقال لنا فيه إن السلطة كذبت عليكم وأن بداية الثورة لم تكن في الفاتح نوفمبر ... حدث آخر لا يمكن فصله عن ضجة آيت حمودة وهو الحملة الإعلامية الأخيرة لما عرف بمسألة المجاهدين المزيفين التي أصبحت مناسباتية ولا تحرك إلا في فترات حساسة للإساءة لهذه الفئة التي يوجد فيها الصالحون كما يندس فيها بعض الطالحين ويوجد فيها الأحرار والشرفاء على كثرتهم كما يوجد فيها المندسون والجبناء باعتراف وزير القطاع نفسه، إن مثل هذه الخرجات أصبحت لا تنطلي على أحد، فخرجة الأرسيدي المطبوخة بتوابل سياسية وحملة المجاهدين المزيفين الموجهة أساسا لتشويه فئة بعينها حتى في الومضات الإشهارية، وليدقق كل واحد منا لماذا تصر شركات السيارات الفرنسية على التعنت إزاء السعر الخاص بالمجاهدين رغم أن العام والخاص يعلم أنهم معفون من دفع الرسوم والضرائب، أوليس في الأمر إن (...) أوليس من وراء هذين الخرجتين مستفيد؟