ترى الباحثة عفاف عنيبة أن أخطر ما يواجه الجزائر اليوم بعد أن تكبدت وحشية المستعمر الفرنسي على مدى قرن وثلاثة عقود، هي حالة الاستلاب التي عاشتها الشخصية الجزائرية والتي أثرت - حسبها - بشكل واضح على جيل الاستقلال. قالت عفاف عنيبة في محاضرة ألقتها أول أمس حول موضوع ''الرؤية الاستعمارية لأكسيس دي توكفيل'' بالمركز الثقافي الإسلامي، إن الجزائري أصبح مغتربا وغريبا في ذاته وهذا بإرادة قسرية منه. وتعود المحاضرة في معرض حديثها إلى السياسة الاستعمارية في الجزائر من وجهة نظر المفكر والسياسي الفرنسي أكسيس دي توكفيل في رسالته الثانية عن الجزائر، لتوضح أن دي توكفيل الذي كلف من قبل السلطات الفرنسية بإعداد دراسة خاصة بالمجتمع الجزائري بغية تسهيل توغلها داخل الأراضي الجزائرية كان يرى في تشريح هذا المجتمع بتسليطه الضوء على تركيبته الاجتماعية وعلى منظومة قيمه وخصائص دينه، إمكانية ترويضه دون الحاجة إلى السلاح، وهي دراسة قالت عنيبة بشأنها إنها تقوم على طابع العنصرية، باعتبار أن الشرائح الإنسانية المدروسة ينظر لها كأنها جماعات لا إرادة ولا شخصية لها. كما توقفت الباحثة من خلال دراستها هذه عند ما أسمته بالملاحظات الخطيرة التي دونها دي توكفيل في رسالته، ويتعلق الأمر بجهل فرنسا لواقع الجزائر آنذاك وزعم دي توكفيل أن للجزائر عدة شعوب وأعرافا وعدة لغات، وهو ما يوحي - تضيف عنيبة - إلى تصميم الاستعمار الفرنسي المبكر على تشتيت وتجزئة وتفرقة وحدة الشعب الجزائري. دي توكفيل كان يسعى من وراء دراسته -تقول الباحثة- إلى البحث عن نقاط القوة والضعف لمختلف الجماعات البشرية وإظهار الكيفية التي ستسهل على المحتل عملية بسط نفوذه، ''فقارئ الرسالة الثانية عن الجزائر سيصطدم بتشخيص مريب منذ البداية، فالتصنيف البشري لسكان الجزائر قائم على نية غير بريئة فهؤلاء بربر وأولئك عرب...''. أكثر من هذا ترى عفاف عنيبة أن دي توكفيل ذهب بعيدا في دراسته عندما اقترح إنشاء دولة تعمل لحساب فرنسا في الجزائر ودعا إلى تحصين الحدود، وهو ما يعني - حسب الباحثة - تعمد هذا المفكر الحط من شأن سكان الجزائر بغية تسهيل عملية إخضاعهم وجعلهم شعبا سهل الانقياد. على صعيد آخر أوضحت عنيبة أن سبب تسليطها الضوء على دراسة دي توكفيل يعد محاولة منها لنفض الغبار عن حقائق التاريخ الجزائري الذي ظل مجهولا لدى غالبية الجيل الجديد .