يعاني حرفيو صناعة النحاس بالجزائر ومنذ سنوات من مشكل نقص المادة الأولية وارتفاع أسعارها، ما تسبب في دخول غالبيتهم عالم البطالة، فيما تكافح القلة القليلة فقط لحماية حرفة تناقلوها أبا عن جد وتشكل مصدر رزقهم الوحيد من الزوال، كما هو شأن ''زولو دريس'' الذي يطلق عبر لقاء مع ''الحوار'' نداءه للسلطات المعنية لتوفير المادة الأولية بأسعار معقولة والعمل على إنقاذ هذا الموروث الثقافي من الاندثار. نحن الآن في زمن تخلت فيه العروس العاصمية والقسنطينية عن ضم عدّة الحمام النحاسية إلى جهازها من المحبس والطاسة ليس بسبب التقدم الذي أثر على العادات والتقاليد واستبدالها بعادات جديدة مبتدعة لم نعهدها في آبائنا وأجدادنا، وإنما للارتفاع الفاحش في أسعار هذا الجهاز ما أدى إلى التخلي عنه واعتباره نوعا من الكماليات التي يمكن أن تعوض بآخر بلاستيكي، وفيما يتعلق بالتخلي عن استعمال الأواني المطبخية فحدث ولا حرج''، قال عمي ''دريس'' بنبرة ونظرة حزينة عندما سألناه وهو في ورشته الصغيرة بمقر دار الحرف والصناعات التقليدية بالعاصمة عن واقع هذه الحرفة ببلادنا. لا نأكل الخبز من هذه الحرفة أكد الحرفي ''زولو دريس'' صاحب جائزة رئيس الجمهورية لأحسن الحرفيين في صناعة النحاس سنة ,2007 أن الحرفيين العاملين في مجال صناعة النحاس ببلادنا لم يعودوا يعولون عليها في كسب قوتهم اليومي، موضحا أن نقص المادة الأولية وغلائها وصعوبة الحصول عليها تعد العوامل الأساسية في ذلك، حيث تخلى عدد كبير من الحرفيين عن ممارسة هذه الصنعة منذ سنوات عدة محولين قبلة نشاطهم إلى مختلف أشكال الربح السريع من تجارة ''الكابة'' و''البزنسة'' وغيرها من السبل التي وجدوا فيها منفذا من الأزمة التي يعانيها ميدان الحرف. عمي ''دريس''، حتى وإن عصفت به الأزمة مرات عدة ،ومع الانقطاع المتكرر عن الممارسة وصلت في بعض الأحيان إلى دخوله عالم البطالة مدة سنتين وهو ربّ عائلة مكونة من 9 أفراد، لم ييأس، وكما يقال الحاجة أم لاختراع، فتوصل إلى حيلة بسيطة ليتحايل بها على غلاء المادة الأولية حيث يقدر ثمن الصفيحة النحاسية الواحدة بحجم متر على مترين ب 14 ألف دينار وللعلم يحتاج إلى مجموعة كبيرة من الصفائح إذا ما تطلب الأمر لصنع صينية كبيرة أو معلقات نحاسية كالمرايا واللوحات الفنية التي لازال يعرضها بورشته الصغيرة دون أن يلقى زبائن ينقلونها من مكانها المعهود إلى منازلهم. وحتى لا يبقى مكتوف الأيدي بعد نفاد المادة الأولية من ورشته، يتنقل عمي ''دريس'' في ''الدلالة '' بالعاصمة لشراء صينيات وأدوات نحاسية قديمة ومتهرئة تخلى عنها أصحابها في زمن السيراميك والزجاج، يفاوض الباعة ليحصل عليها بأقل ثمن ممكن محاولا ألاّ يتجاوز السعر 1000دج للقطعة. من ''السّني'' إلى ''المطفأة'' وهربا من تكتيف الأيدي والفراغ أضاف عمي دريس قائلا: ''بعد رحلة متعبة بين أزقة وشوارع العاصمة ومن سوق ''دلالة'' لآخر، أرجع إلى محلي المتواضع الذي يعد بمثابة منزلي الثاني نظرا للوقت الكبير الذي أمضيه فيه، لأقوم بتقطيع القطعة التي اقتنيتها وجعلها صفيحة مستوية ثم أنظفها بسائل روح الملح وأفركها بالفرشاة المعدنية وأملسها بالورق الزجاجي لتكون جاهزة للاستعمال، ولكن أي استعمال؟ واصل عمي ''دريس'' فقد صرت مجبرا على تقليص حجم التحف التي أصنعها بالتدريج فانتقلت من صناعة ''السني'' إلى أن وصلت في الوقت الحالي إلى صناعة مطفأة السجائر. يرفض ''زولو دريس'' تعليم قاصديه من الشباب الراغبين في تعلم هذه الحرفة، فكما قال لا أجد قطعة نحاس أشتغل عليها وأبدع في نقشها فكيف بإمكاني أن أجد قطعا للمتربصين ونقل ما نقله لي والدي وجدي لحمايته من الاندثار، فكل ما بقي لي اليوم - اختتم عمي ''دريس'' لقائه معنا - النظر إلى هذه الشهادات والجوائز الوطنية والدولية والتحسر على ذلك الزمن حيث كان للحرفي شأن لا يعلوه شأن وهو الذي يملك ما لايزول حتى وإن ولت أموال أجداده.