بعد ما احتلت نجمات الإغراء موقعا هاما على الفضائيات العربية و ركبن موجة ''الفيديو كليب''، لم يكن بالإمكان تجنب تأثيرهن على الشباب، ولا حتى على الأسر والأزواج، فالجمال الذي خلقه الله أنواعا وألوانا انحصر في نموذج هؤلاء النجمات وبين هيفاء وهبي وأليسا ونانسي عجرم حرب طاحنة ليس في الفن والإغراء فحسب، بل وفي الإستحواذ على قلوب الشباب وأيضا في نشر ثقافة خراب البيوت . ليس من المبالغة اليوم اعتبار نجمات الفيديو كليب اللواتي وحدن الذوق الجمالي العربي وحصرنه في ''اللوك اللبناني'' بالكابوس الذي تتمنى النساء وربات البيوت بشكل خاص الإستيقاظ منه في أقرب فرصة، خاصة بعدما تغيرت المقاييس الجمالية إلى قائمة لا تباع في الغالب إلا في عيادات التجميل أو التحويل لكل شبر من الجسم البشري إلى النمط المطلوب بشكل يشبه الظاهرة التي ساهمت فيها العولمة فتفشت وعمت وسيطرت إلى أن بلغ مداها الجزائر التي يمكن اعتبارها متأخرة نوعا ما عن ركب الثورة التجميلية التي يشهدها العالم العربي اليوم . التغيير بدأ محتشما في أول الأمر ولم يكن يتعدى هرولة النساء لقاعات الرياضة النسوية وبالذات ''الأيروبيك'' لاستعادة الرشاقة المفتقدة وتحسين شكل الجسم، لكن وبعد فترة قصيرة تطورت الأمور إلى ما هو أكثر وإن كانت مثل هذه السلوكات تتم بإرادة من النساء اللواتي يسعين بالفطرة إلى الوصول إلى غاية واحدة ألا وهي الظهور بشكل جميل، إلا أنهن وفي أحيان كثيرة يقدمن على ذلك مرغمات تحت ضغوط نفسية ومخاوف وكأنهن في امتحان يصعب عليهن اجتيازه يتمثل في إحراز إعجاب الشريك الذي صار اليوم وبحكم تأثير هذه القنوات عارفا ومتفتحا على أدق تفاصيل عالم الجمال ومقاييسه الجديدة التي أمليت علينا من الخارج والتي لم يعد للكثير من النساء مكان على خارطته. وهو ذات الضغط الذي يدفع بالكثيرات إلى قصد عيادات ومراكز التجميل والتخسيس والتدليك.. أنواع حديثة ومكلفة من العناية التجميلية والنتيجة النهائية غير مضمونة وليست بالشكل الذي تطمح إليه الكثيرات. ''استثمار حسب الذوق والطلب '' بالموازاة مع ذلك حاولت مراكز التجميل التأقلم مع أذواق وطلبات السيدات لهذه الفترة، فحولت نشاطها الإعتيادي بإعادة تكوين الحلاقات والمزينات لتتمرن على ''اللوك اللبناني'' وهي الموجة التي اجتاحت ميدان التجميل في الجزائر منذ خمس سنوات على الأقل. كما أنها موضة صار لها زبوناتها الكثيرات اللواتي لا يطرقن باب حلاقة أو مزينة اليوم إلا إذا كانت هذه الأخيرة تحمل تسمية أو شهرة أو حتى شهادة في ''اللوك اللبناني''. وهكذا صار هذا الأخير الطابع الذي ساهمت في ترسيخه القنوات العربية والفنانات اللبنانيات اللواتي اكتسحن ميدان الفيديو كليب والإعلانات هو السائد اليوم بلا منازع. مما دفع بالمزينين وقاعات التجميل إلى التخصص فيه. وهيبة صاحبة مركز متخصص في أعالي الأبيار تقول إنها تلقت تكوينا خاصا في الخارج وأن نساء وفتيات اليوم من الصعب إرضاء طلباتهن أو التهاون معهن، لأنهن متتبعات لكل حيثيات عالم الموضة والتجميل عبر القنوات الفضائية العربية التي سلبت عقول الكثيرات منهن. وتضيف ضاحكة: ''إلى درجة أن إحدى الزبونات طلبت مني إن كنت أعرف كيف أحول شكلها بصفة جذرية كما تفعل ''جويل'' ولم أكن أعرف من هي ''جويل'' ولا لدي أية معلومات عن برنامجها. إلى أن استفسرت وشاهدت الحصة التي تحمل عنوان ''بالصراحة أحلى'' ساعتها تأكدت أن تأثير هذه القنوات صار داهما. وما أثار استغرابي أكثر هو معرفتي بأن السيدة الشابة كانت مدفوعة من طرف زوجها لتغيير شكلها وتجديده بعد أن كانت قد أهملت مظهرها بعد سنوات من الزواج . وعن تكاليف عالم التجميل اليوم، قالت وهيبة إنه مكلف، خاصة وأن مثل هذه العمليات تقام دوريا بدءا من صبغات الشعر والتسريحات والقصات إلى عمليات نزع الشعر ونتف الحواجب والعناية بالأظافر وتقشير البشرة وتبخيرها وتنقيتها من الشوائب مع عمل الماساجات التي صارت بدورها أنواعا ولعل آخر صيحة اليوم هو المساج الماليزي وغيره من التقنيات الحديثة التي تعتبر مكلفة فعليا إذا التزمت بها المرأة. وأضافت صاحبة المحل بأن بعض الموظفات يصرفن مرتباتهن كاملة من أجل الحصول على شكل لائق وإرضاء شركاء حياتهن''. وفي الحقيقة أن الأمر يبقى بسيطا لو أنه توقف عند هذا الحد لكنه في الغالب يتطور اليوم إلى تغييرات جذرية في الشكل والمظهر. وللأسف لا يوفي دائما بالغرض حينما يتعلق الأمر بالعمليات التجميلية أو إزالة آثار الشيخوخة والتجاعيد من على الوجه ... فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟ ''تجميل... أم تقليد مجنون؟'' تلجأ أغلب من يقصدن عيادات التجميل لإجراء تعديل ما عن طريق الجراحة بدافع التقليد وليس التصحيح، فليس من الضروري أن يكون صغر حجم الشفتين عيبا خلقيا تسعى المرأة إلى تغييره. وهو ما كان بالأمس القريب نوذجا للجمال على رأي القول الشعبي المعروف ''فم كالخاتم'' وهو كناية جمالية تحولت اليوم إلى ذم، فالشفاه الممتلئة ذوق تمليه القنوات الفضائية اليوم بشدة ونموذج لجمال النجمات اللواتي سعين إلى عمليات ''النفخ'' بحيث صار موضة استهوت الكثير من الجزائريات، خاصة بعد أن صار الأمر متاحا من خلال التقنيات الجديدة التي تتيحها عيادات التجميل والتي صارت في متناول الكثيرات ممن يملكن تكاليف هذه العمليات فهي حسب الأخصائيين بسيطة مقارنة بما ينجز اليوم في الخارج أو في دول كلبنان، حيث تفي محلات الحلاقة والتجميل بالدور أحيانا دون آثار جانبية فيما يخص حقن ''البوتوكس'' رغم أن هذا الأخير في أول عهده بالجزائر حسب البروفيسور بن ديصاري الذي يؤكد بأن إقبال النساء على البوتوكس صار ملحوظا رغم تكاليفه الباهظة إذا ما علمنا بأنه يجدد في كل ستة أشهر. وأكثر ما تلجأ إليه الجزائريات أيضا هو عمليات تكبير الصدر ورفع الحواجب لتظهر الجفون والعيون أكثر اتساعا وهو ما فعلته أغلب النجمات. وحسب بن ديصاري أن الجزائريات اليوم يقبلن أكثر من أي وقت مضى على عمليات التجميل وتغيير اللوك والملامح وليس فقط التقويم أو التعديل الذي كان شائعا بسبب الحروق أو الحوادث. ليس هذا فحسب بل حتى الرجال يلجأون اليوم إلى تعديل مظهرهم دون حرج بسبب ما للمظهر اليوم من مكانة وتأثير في المجتمع وخاصة في ميدان عالم المال والأعمال. ''أزواج متطلبون وزوجات مكتئبات '' هوس الرشاقة هو الآخر صار هاجسا للكثير من الزوجات، خاصة اللائي أنجبن لمرات عديدة وظهرت عليهن علامات الترهل، ويسعين اليوم إلى الحميات القاسية التي لا تنفع في حالات كثيرة، بحيث يصبح شفط الدهون ضرورة خاصة على مستوى الخصر والبطن لإزالة الشحوم المتراكمة والتي تشوه جسم العديد من النساء ''نورة'' إحداهن تقول إنها جربت كل الطرق للنحافة ولم تنفعها بالشكل الذي سعت إليه، بل أضرت بصحتها وأصابتها بفقر الدم، لأنها قامت بحمية عشوائية غير مدروسة ودون إشراف الطبيب، وحين تدهورت صحتها سعت إلى تعويض ما فقدته من معادن فعادت إلى الأكل بطريقة عشوائية أدت بها مجددا إلى اكتساب كيلوغرامات مضاعفة. شوهت مظهرها بشكل كبير إلى درجة أًصابتها بالإكتئاب، خاصة حينما تسمع تعليقات زوجها الذي لا يتوانى عن توبيخها على ما آل إليه حال جسمها. أما نسيمة فهي فتاة لا يتعدى عمرها الرابعة والعشرين مخطوبة وتحضر لزفافها في المستقبل القريب، لكنها تعاني من مشكل البدانة فوزنها يتعدى التسعين كيلوغراما في حين أن طولها لا يتعدى المتر والستين سنتيمتر، تقول نسيمة: ''أصبحت أخشى مقابلة خطيبي فهو كلما رآني زجرني على وزني، بل أنه يصر على إهدائي وصفات للتخسيس منها ما يتحصل عليها من برامج متخصصة على القنوات الفضائية ومنها ما ينقلها عبر مواقع متخصصة أيضا من الأنترنت، والمشكل أنه يطالبني بإنزال وزني قبل حفل الزفاف وهو ما يسبب لي حالة من القلق والعصبية، بل ونتيجة عكسية فاقمت من وزني بسبب الإكتئاب الذي أصبت به . أما راضية فهي التي سعت إلى التخلص من الدهون المتراكمة عبر الحل الأسرع عن طريق شفط الكيلوغرامات المتراكمة عبر الخصر. وأنفقت من أجل ذلك الكثير وكانت النتيجة جد إيجابية أصابتها بالدهشة. لكن الدهون سرعان ما عادت لتتمركز بنفس مكان الخصر وتستقر مجددا بعد أقل من سنة. في حين لم تسترجع راضية أموالها التي خسرتها لأجل تحقيق حلم الرشاقة وهو ما أصابها بالإكتئاب دون نسيان العتاب والزجر الذي لم يتردد زوجها في إبدائهما وهو ما زاد من تدهور حالتها النفسية. ''تفشي الطلاق ..والنجمات في قفص الإتهام '' يرجع الكثير من علماء الإجتماع اليوم تفشي نسبة الطلاق بين الأزواج إلى تأثير القنوات الفضائية وتفتيح عيون هؤلاء على نماذج جديدة من الجمال بمقاييس عالمية أو لبنانية كما يحلو للبعض تسميتها. مما يدفع بالكثيرين إلى الزهد في زوجاتهم.. فالمقارنة بعيدة وليست في صالح المرأة البسيطة التي تتجاوزها ظروف الحياة ومتاعبها، بل وتحول بينها وبين النظر إلى وجهها في المرآة في أحايين كثيرة، خاصة إذا كانت أما لأطفال، عاملة وربة بيت. في حين أن ما تحظى به هؤلاء النماذج من إمكانيات يجعل المقارنة إجحافا حقيقيا في حقهن فالجمال هو رسالتهن في الحياة حتى أنه يأتي قبل الفن حسب ما ذكرت سعاد التي أكدت أن المرأة اليوم تعيش حالة صراع بين القيام بأعباء بيتها وعملها وبين الإعتناء بجمالها كما ينبغي بما أن ذلك صار ضرورة عصرية .