تمر اليوم سنة كاملة على التفجيرين الإنتحارين اللذين ضربا مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي في حي حيدرة بالعاصمة، إضافة إلى مقر المجلس الدستوري بمنطقة الأبيار يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2007 ، حيث أدى التفجيران الانتحاريان إلى مقتل 41 شخصا من بينهم 18 من موظفي الأممالمتحدة، ثلاثة منهم أجانب. وتبنت الجماعة السلفية التي غيرت تسميتها المسؤولية على التفجير الإرهابي . ومنذ ذلك التاريخ لم تعرف الجزائر أي هجومات تفجيرية مماثلة، بعد التجند الكبير لمختلف مصالح الأمن والمواطنين، بشتى الوسائل المتاحة لعدم ترك أي ثغرة يمكن للإرهابيين النفاذ منها على حساب امن واستقرار الجزائر. ولهذا الأمر ارتأت ''الحوار'' الوقوف اليوم على الذكرى ليس رغبة منا في استرجاع المآسي، ولكن هي الرغبة الملحة على إبراز حال المنطقتين وسكانها اليوم بعد الصدمة الكبيرة التي خلفها الهجومين خاصة على الأطفال وكبار السن. الحياة عادية ومخططات أمنية عديدة لمنع تكرار المأساة تنقلت ''الحوار'' أمس إلى أعالي العاصمة وبالتحديد إلى أحياء حيدرة والأبيار التي كانت مسرحا للجريمة السنة الماضية في نفس اليوم، وعادت بالحديث إلى الذكرى مع سكان المنطقة الذين أكدوا أن حياتهم تسير بشكل عادي، وفي هذا الصدد تقول سامية طالبة جامعية '' لو لم تذكريني بهذه المناسبة الأليمة لما تذكرتها، لقد عشنا أياما عصييه في السنة الماضية لكن اليوم الحمد لله الهدوء والسكينة تعمان المنطقة خاصة في ظل انتشار رجال الأمن''، من جهته تحدث إلينا شاب عايش التفجيرات السنة الماضية قائلا'' شتان مابين هذه السنة واليوم الأسود الذي لازلت أحتفظ به في مخيلتي بذكرياته الأليمة فعندما أمر من هنا أي مقر الأممالمتحدة أقف مطولا وأنظر إلى المبنى ومقارنته مع السنة الماضية، فالفرق واضح وشاسع فحيدرة 11 ديسمبر 2008 ليست حيدرة اليوم من ,2007 فالأمن ظاهر وجلي، وأظن أن مثل هده الأمور لن تتكرر في ظل تواجد قوات الأمن الوطني، ويقظة المواطنين، والتي تحرص في مجملها على راحة المواطن بالدرجة الأولى، ولا مجال للمقارنة بين العام الماضي واليوم". وقد استفسرنا في المنطقة عن أحوال الأطفال هناك وكان من حسن حظنا أن التقينا بأخصائية نفسية كانت فد تكفلت ببعض الأطفال بوم الحادثة، حيث أكدت أن أغلبية الأطفال الذين صدموا في ذلك الوقت وبالرعاية النفسانية المكثفة قد استعادوا عافيتهم. الذكرى للعبرة و إرادة قوية تحدو الجزائريين لم يكن مكان التفجير الانتحاري الثاني بالأببار بمحاذاة المجلس الدستوري يختلف عن سابقه فقد أجمع المارون من هناك أن الحياة تسير بشكل عادي، وقال أحدهم '' أظن أن الجزائر قطعت أشواطا لا بأس بها في تضيق الخناق على الإرهابيين حسب ما نراه ونشاهده في الصحف والقنوات، فكل يوم نسمع عن القضاء على إرهابيين وإن شاء الله ستكون هذه الذكرى مناسبة لطي ملف التفجيرات والإرهاب في الجزائر بصفة نهائية". أما بعض التجار الذين تضررت بعض محالهم جراء التفجير السنة الماضية، فقد أكدوا بفعل قربهم واحتكاكهم اليومي بالمنطقة والسكان'' أن الأمور تسير بشكل جيد ونستقبل بوميا زبائن بصفة عادية فالناس نسوا الحادثة وحتى وان لم ينسوا فالحياة لابد لها من أن تستمر". ويقول عمي عبد القادر'' يجب على الجزائريين أن يستفيدوا من هذه الذكرى وتكون بمثابة الدرس في أخذ الحيطة والحذر والتكافل فيما بينهم، والعبرة التي بجب أن تأخذ هي التكاثف والتلاحم بين جميع أفراد المجتمع''، ولمسنا من خلال حديثنا إلى المواطنين الإرادة الكبيرة التي تحدوهم في محاربة كل من يمس بأمنهم وذويهم بكل الوسائل المتاحة. الوضع الأمني في تحسن والعنف الإرهابي في أدنى مستوياته منذ 15 سنة يقال أن الاعتماد على شهادة الآخر هي مقياس تحديد نوعية النتائج المحصل عليها، لذا نعتمد اليوم على شهادة الدول الأجنبية في تحليل الوضع الأمني في الجزائر إضافة إلى تحاليل المختصين والخبراء الجزائريين الذين أكدوا تحسن الوضع بشهادة المسؤولين على غرار وزير الداخلية الذي أكد في عدة مناسبات أن الجزائر في وضعية أمنية مستقرة وأن عدد أفراد الجماعات الإٍرهابية في تقلص مستمر. لذا نذكر في هذا المقام بعض التقارير الغربية حول الوضعية الأمنية في الجزائر، فقد سجلت مختلف التقارير والدراسات العربية والأجنبية التحسن الكبير في الوضع الأمني في الجزائر مقارنة مع سنوات خلت، فقد تراجع عدد قتلى العنف الإرهابي في الجزائر إلى 13 قتيلا في أكتوبر بدلا من 31 في سبتمبر طبقا لإحصاء تجريه رويترز استنادا إلى تقارير صحفية. التقارير أكدت أن العنف في الجزائر تراجع إلى أدنى مستوياته منذ 15 سنة، وخاصة خلال شهر نوفمبر الماضي ، وقد دحضت هذه التقارير التوقعات الأخرى التي قالت أن وتيرة العنف في الجزائر سترتفع، بعد تلك التفجيرات المشؤومة. وكان أخر هذه الدراسات الدراسة الأمريكية المنشور مؤخرا والتي تحدثت عن تراجع العنف في الجزائر إلى النصف حيث جاء في محتواها أن العمليات الإرهابية في الجزائر شهدت تراجعا ملحوظا فمن 200 عملية إرهابية أحصاها المعهد في السنة الماضية تقلص وتراجع العدد إلى النصف حيث تم تسجيل 106 هجوم إرهابي هذه السنة. وأضافت ذات المصادر أن العمليات الإرهابية في الجزائر أصبحت تنفذ في نطاق محدود جدا، خاصة في ظل أن الإرهابيين أصبحوا في عزلة متزايدة بسبب المضايقة والمحاصرة الكبيرة من قبل مصالح الأمن المشتركة، حيث انخفضت مساحة تحرك الإرهابيين ب 70 بالمائة، وهذا بتحسين الإجراءات الأخيرة خاصة في المنطقة التي كان يطلق عليها ''مثلث الموت'' التي تمتد في منطقة جبلية تقع إلى الشرق من الجزائر العاصمة. وهي براقي سيدي موسى بن طلحة''. إلى جانب ذلت تؤكد نفس الوثيقة أن ذات الجماعات أصبحت تعاني من ضائقة مالية كبيرة، وحصار شعبي وامني كبيرين. وتأتي هذه التطورات أيضا بعد أن نجحت قوات الأمن في توجيه ضربات قوية للجماعات الإرهابية، وبعد أن أكد عدد من الخبراء أن التنظيم الإرهابي يمر بمصاعب متزايدة، خاصة بعد أن أعلنت تغيير اسمها، ومن بين هؤلاء الخبراء لوي كابريولي المسئول الثالث في الاستخبارات الفرنسية، الذي أكد في تصريحات عقب التفجيرات أن هذه التنظيمات في الجزائر تقهقر وأن:'' عناصره الذين كانوا منتشرين في كافة المناطق باتوا منحصرين في مناطق معينة يواجهون بانتظام ضربات الجيش". إجماع للعلماء والمشايخ على كلمة واحدة .. إدانة الإرهابيين وتجريم أعمالهم لا يمكن أن نمر على ذكرى تفجيرات الأممالمتحدة والمجلس الدستوري في الجزائر دون أن تبين الفارق الكبير بين فتاوى الأمس غداة العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر ، وفتاوى اليوم التي أصبحت تحرم بشدة قتل الجزائريين وتدعو هؤلاء المغرر بهم إلى وضع السلاح والتوبة وإلا سيكون مصيرهم الفتل بدون هوادة، وعلى رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي حرم ترويع الآمنين وسفك دمائهم كما أبدى دعمه لمساعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل إقرار السلم والمصالحة الوطنية، فضلا عن مشايخ ودعاة كانوا يحسبون على تيار التكفيريين والإرهابيين. وفي ختام هذه الوقفة التي خصصتها ''الحوار'' اليوم للوقوف عند الذكرى لمسنا التفاف الجزائريين حول مساعي رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لاستتباب الأمن في الجزائر إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه مصالح الأمن الجزائرية من شرطة ودرك وجيش وطني شعبي.