اسم آخر من تلك الاسماء التي لا نستوعب بسهولة رحيلها ولا نصدق رحيلها .. كأنما خلقت لتبقى وتخلد بعطاءاتها المعجزة واعمالها الخارقة .. منصور الرحباني صاحب الارث الفني الفيروزي العربي المذهل الذي رحل امس ينتمي الى هذه الفئة التي اقترن وجودها بابداع وعطاء اهلها لتصنع هكذا مجدا وهكذا عبقرية .. وعبقرية منصور الرحباني بمعية اخيه الاكبر الراحل عاصي الرحباني زوج الفنانة الكبيرة فيروز اعطت للتراث الغنائي اللبناني والعربي والعالمي ما لم يعطه غيرهما .. روائع الالحان والمعزوفات الرحبانية لازالت تفتن المتلقي جيلا بعد جيل ولازالت المسارح تحتفي بتلك المسرحيات الغنائية التي تغنت فيها الحنجرة الفيروزية الاسطورية بالمحبة والسلام والجمال .لا احد من عشاق الفن الفيروزي استطاع ان يحسم ايهما صاحب الفضل على الاخر وايهما صنع مجد الاخر.. هل كان بإمكان فيروز ان تتسلق قمة المجد الغنائي في العالم العربي وحتى الغربي وتشكل ظاهرة فنية لم تنل منها الاعوام ولم تنل من بريقها وقوتها رياح العصرنة والتغييرفي العالم لو لم تحتضنها عبقرية الرحابنة؟ وهل كان للرحابنة ان يوفقا وتخلدا اعمالهما لولا خصوبة وروعة الحنجرة الفيروزية ؟ لا احد أمكنه فصل هذا عن ذاك.. لقد كانا لازمين لبعضهما .. خلقا لبعضهما من اجل مهمة بعينها.. مهمة يعرفها ويفهمها كل من آمن بالفن كرسالة حق وخير وجمال وسلام.. كل الاعمال الموسيقية الرحبانية جاءت مشبعة بهذه القيم النبيلة مبشرة بهذه المبادي السامية ما جعل منصور الرحباني رغم تعاسة طفولته وهو الذي تشرد في منازل البؤس وسكن بيوتا ليست كالبيوت يعيش مترفعا عن اوحال واغراءات السياسة واختار اعتناق السلام وممارسة الجمال والمحبة الانسانية وكان ذلك طافحا في اعماله الفنية ومسرحياته الغنائية، آخرها مسرحية ''زنوبيا'' و''عودة الفينق'' التي لازالت تعرض في كازينو لبنان.. هكذا حكم الابداع الحق يغيب صاحبه ليتولى عمله مهمة تخليده وتبليغ رسالته لجيل بعد جيل.. وبرحيل هذه القامة الفنية الموسيقية الفريدة تطوى صفحة من سجل فني اسطوري خلد الصوت الفيروزي واثرى التراث الفني اللبناني والعربي لتفتح صفحة جديدة يتولى توقيعها ابناء الرحابنة يتصدرهم زياد الرحباني الذي بدا نجمه يتالق من خلال الالحان التي تغنت بها والدته فيروز وجملة من المغنين في الساحة العربية.