تمارس إسرائيل سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المقاومة المسلحة في غزة، وهذا ليس بدعا في الاستعمار والاعتداء، لأن المبدأ الذي يسير عليه واحد في كل زمان ومكان ''الغاية تبرر الوسيلة''، وقد سبقه في هذا النهج الاستعمار الفرنسي في الجزائر أثناء مواجهته لمقاومة الأمير عبد القادر، في الغرب الجزائري. حيث أوردت كتب التاريخ هذا النهج وهذه المواجهة تحت عنوان: ''سياسة الأرض المحروقة للقضاء عل المقاومة''، فبعد أن أعيت الحيل فرنسا في القضاء على مقاومة الأمير التي كانت في غاية التنظيم والاحكام، وبعد أن أدرك الاستعمار الفرنسي أن المقاومة تستمد قوتها من الشعب، لجأ إلى ضرب مصدر قوتها، والذي كان متاحا له ضربه بسهولة، وذلك لقطع الامدادات وتجفيف المنابع التي تزود المقاومة بأسباب البقاء والقوة (الطعام، اللباس، الأموال)، وقد نجحت فرنسا في سياستها واستطاعت أن تخمد مقاومة الأمير، بعد أن أعملت في الأرض الحرق والتدمير وقتل الماشية وتفقير الأهالي وتجويعهم ورميهم في المحتشدات، فوجد الأمير نفسه معزولا مع جيشه عن مصدر قوته فكانت النتيجة القضاء على مقاومة الأمير مع بقاء جذوة المقاومة حية في الشعب ومن بقي من جنده، وهي التي أدى اتقادها واشتعالها ذات نوفمبر إلى تحرير شعب من ربقة استعمار ظن نفسه خالدا في هذه الأرض. واليوم يعيد التاريخ نفسه، ولكن بصورة أكثر بشاعة ووحشية وهمجية، لأن سياسة الأرض المحروقة التي مارستها فرنسا استهدفت الأراضي الزراعية والرعوية والماشية، أما هؤلاء الوحوش صورة وحقيقة فإنهم استهدفوا كل شيء في قطاع غزة وحولوه إلى كتلة لهب تصهر وتدمر كل شيء فكانت النتيجة أجسادا متفحمة وأشلاء متناثرة، أطفالا أحرقت أجسادهم ومزقت أوصالهم، وسملت أعينهم وبترت أطرافهم وشوهت وجوههم، عائلات أبيدت عن بكرة أبيها ونساء فقدن الأولاد والأزواج، مساكن دمرت وعمارات سويت مع الأرض وحتى المساجد والمدارس لم تسلم من الحرق والتهديم! أي همجية وبربرية هذه التي يقوم بها الصهاينة؟ هل يفعل إنسان فيه ذرة شرف في نسبه ما فعله أولمرت وشيعته في شعب غزة الأعزل؟ وهل بلغت همجية ''الحلوف'' الجريح هذا المبلغ من التدمير والتقتيل؟ ثم هل ماتت النخوة والرجولة والشهامة لدى حكام العرب والمسلمين، أم أنها انتقلت من قلوبهم إلى أعضائهم الشهوانية فلم تعد تعي وتستجيب إلا لما يحرك تلك الأعضاء؟ هل الصهاينة أقوياء إلى درجة تحدي العالم، أم أن قوتهم من قوة أطراف دولية فاعلة؟ هل أخطأ أهل عزة حين أرادوا الحياة الشريفة ورفضوا الخضوع الطوعي للجلاد؟ هي تغيرت المسميات التي بني عليها نظام الكون فأصبح المعتدي مظلوما والمظلوم معتديا، والمجرم بريئا والبرئ مجرما والغاصب صاحب حق وصاحب الحق مغتصبا..؟ ثم ما ذنب لؤي الذي سملت عيناه وجميلة التي بترت رجلاها وباقي الأطفال الذين تفنن الصهاينة في تقتيلهم وتمزيق وتشويه أجسادهم الطرية؟ إنني أنظر إليهم وأنظر إلى أولادي فلا أملك إلا الدموع والغيظ يخنقني والحنق يملأ جوانحي، الويل لك يا أولمرت الويل لك. أين المواثيق والقوانين الدولية التي قالوا عنها بأنها تنظم استعمال الأسلحة في الحروب وتجرم الاعتداء على المدنيين؟ ولماذا تمنع حماس من الحصول على أبسط الأسلحة ويعطي الحق لاسرائيل في امتلاك 200 قنبلة نووية وأكثر من 300 طائرة (ف16) وآلاف الأطنان من القنابل والذخيرة؟ ولماذا تطرد فنزويلا سفير إسرائيل من بلادها ويقل رئيسها بأن كرامتي لا تسمح لي بإبقائه في ظل العدوان السافر على غزة، في الوقت الذي تبقي فيه دول عربية وإسلامية على سفراء الكيان الصيهوني في أراضيها وتوفر لهم الأمن والحماية.. فأين كرامة هؤلاء؟ وأخيرا، حتى لو استطاعت إسرائيل أن تقضي على أشخاص حماس مجاهدين وقيادة، في هذه المرحلة التاريخية، وأنى لها ذلك، فإنها لن تستطيع القضاء على جذوة المقاومة في نفوس الأجيال القادمة، كما لم تستطع فرنسا من قبل، لأنها جذوة أوقدها الحق وما أوقده الحق لا يطفئه الباطل (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).