تعززت الساحة العلمية مؤخرا بكتاب تاريخي جديد ذات طابع أكاديمي في التاريخ المحلي تحت عنوان “التاريخ الثقافي لمنطقة سطيف … المجال، الإنسان، التاريخ” ، حيث شارك في تأليفه 40 باحثا و باحثة من 14 جامعة جزائرية مختلفة من كل ربوع الوطن ،وأشرف على هذا المولود الاكاديمي ، الباحث محمد بن ساعو و أستاذ التاريخ الوسيط بقسم التاريخ والآثار، جامعة سطيف2، إلى جانب اليامين بن تومي أستاذ تحليل الخطاب بقسم الأدب العربي، جامعة سطيف2. إعداد : إيمان .بوزامة و يتكون هذا المؤلف الصادر عن دار النشر “الوطن اليوم” ، من ثلاثة أجزاء تحتوى على عدد البحوث والدراسات المدرجة ضمن الكتاب ، أي يجمع حوالي 36 مقال ، وجاءت فكرة الكتاب انطلاقا من الحاجة إلى التأريخ للجهة، وهو فرع من فروع البحث التاريخي الذي عرف قفزات نوعية في العقود الأخيرة، إلا أن هذا النوع من الكتابات لم يلق الرواج في الجزائر ولم يتبناه إلا القلة من الأقلام الجادة، فرغم التنوع الجغرافي والعمراني والثقافي والبيئي والثراء التاريخي، إلا أن الدراسات المونوغرافية لم تستقطب إهتمام الكثير من الباحثين، لاعتبارات عديدة، وتماشيا مع ضرورة الانفتاح على هذا النوع من الكتابة تم الإعلان لعموم الباحثين والمتخصصين عن أرضية الكتاب التي تحدد الأطر الموضوعية والمنهجية التي تقدم على أساسها الأوراق البحثية المشاركة ، و حققت الدعوة للمشاركة في هذه الموسوعة المرجعية حول تاريخ سطيف تجاوبا كبيرا من الباحثين من مختلف جامعات الوطن، غير أن عملية التحكيم العلمي أسفرت في النهاية عن اعتماد الأبحاث المندرجة ضمن هذا السفر الذي يخلد تاريخ المنطقة وتراثها ويترجم لبعض أعلامها. كما تم تبويب الكتاب في ثلاثة محاور، إضافة إلى مقدمة ومدخل ، و عنونت مقدمة الكتاب الحاجة إلى مونوغرافية سطيف، التي أشرف على توثيقها الأستاذ محمد بن ساعو، و بيّن فيها أهمية الكتابة التاريخية المنوغرافية لمنطقة سطيف، مع التركيز بشكل خاص على مرتكزات هذا النوع من التأريخ والصعوبات والمزالق التي تحفه. معتبرا هذا المنجز دعوة لفتح مشاريع مماثلة تجسّد ثقافة العمل الجماعي في الأوساط الأكاديمية. أما عند قراءة مدخل الكتاب الذي اتفق الباحثون على تسميته “تاريخ أو تواريخ؛ ما معني أن نكتب تاريخا ثقافيا لمدينتنا؟” و كان الأستاذ اليامين بن تومي، هو من أشرف على كتابة هذا المدخل ،و حاول من خلاله أن يفسّر فيه مفهوم العودة إلى الماضي، والتي أفرزت نوعين من التاريخ، إحداهما رسمي والآخر غير رسمي، لذلك قدّم اجتهاده المرتكز على قراءات فلسفية عميقة بخصوص إنتاج تاريخ محلي ليس مضادا للتاريخ الوطني ، أما الباب الأول: الذي هو بعنوان المجال السطايفي والتشكلات الحضارية (الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية) ، و يشكل هذا الباب الجزء الأول من الكتاب المرجعي حول سطيف، اندرجت ضمنه مواضيع متنوعة، التفت بعضها لتاريخ المنطقة في ظل الاستعمار الروماني والفرنسي بمقاربات تاريخية وأثرية، إلى جانب أبحاث في الطوبونيميا المحلية وأخرى في تاريخ التعليم بالمنطقة ، و جاء الباب الثاني تحت عنوان أعلام وآثار وتراث منطقة سطيف ، حيث توزعت مقالات هذا الباب على مجالات مختلفة شكلت في مجملها صورة عن إسهامات المنطقة السطايفية في المجالات العلمية والثقافية من خلال بعض الأعلام الذين تُرجم لهم، مع الالتفات إلى التراث المادي للمنطقة كالعمارة والوثائق أو التراث اللامادي كالعادات والتقاليد والطقوس المختلفة، كما تناول المحور سطيف كقطب حضري والتحديات التي تواجه المدينة في المستقبل القريب ، و الباب الثالث جاء تحت عنوان سطيف والحراك التاريخي ، و جل الدراسات المندرجة ضمن هذا الباب حاولت معالجة علاقة المنطقة بالاستعمار، سواء من خلال محاولات إخضاعها أو المقاومة التي تبنتها ساكنتها، كما اشتمل المحور على إضاءات مهمة حول تاريخ سطيف في العصر الوسيط. و للإشارة رغم ثراء وتنوع المواضيع المندرجة ضمن أجزاء الكتاب، إلا أن سطيف لا تزال بحاجة إلى دراسات أخرى وأعمال مماثلة لتأسيس مكتبة للتاريخ المحلي تضمن تحقيق تراكم معرفي يسمح في مراحل أخرى بالاتجاه نحو التركيب التاريخي خدمة للتاريخ الوطني.