انتشرت ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية الجزائرية بشكل مخيف جدا في الآونة الأخيرة رغم أن الظاهرة ليست بحديثة إلا أن مظاهر العنف و الشغب تغيرت طبيعته.حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب الرياضية ،فالكثير من الجماهير الرياضية أخذوا يحتفلون بعد الفوز بطريقة غير حضارية عن طريق الاعتداء على الآخرين و إلحاق الأذى و الضرر بهم أو بممتلكاتهم.و تزامنا و المباراة المصيرية التي ستجمع "الخضر" مع نظيره البوركينابي يوم غد بملعب "تشاكر" ارتأت يومية "الاتحاد" أن تسلط الضوء على ظاهرة العنف في الملاعب و تضعه على طاولة المختصين لتبحث عن أهم أسباب انتشارها و محاولة البحث عن حلول للحد منها،كما توقفت عند بعض أهل الضحايا الذين وقعوا ضحايا إرهاب الملاعب التي حصدت أرواحهم. جروح لم تندمل بعد.. هم كثيرون من وقع ضحية عنف الملاعب بسبب تصرفات بعض المناصرين المتهورة و الطائشة تعبيرا عن حماسهم الزائد،و من فقد فلذات أكباده في إحدى المقابلات الرياضية المصيرية الجزائرية على غرار المقابلة التي جمعت المنتخب الوطني بنظيره المصري سنة 2009 ،و من بين هؤلاء "أم عبد الرحمن" من ولاية بومرداس التي فقدت ولدها الوحيد "عبد الرحمن" ذو العقد الخامسة عشر ربيعا المعروف بعشقه للفريق الوطني ،تقول والدته في حديثها مع يومية "الاتحاد" أنها ودعته صبيحة لعب تلك المباراة و هو مرتديا بذلة تلونت بالأخضر و الأبيض و الأحمر و ملامح وجهه الجميل كانت ترسم التفاؤل بانتصار الخضر،و عن آخر حوار دار بينهما تقول و الدموع تنهر بغزارة من عينيها الجاحظتين و بقلب ينزف دما أنه طلب منها أن تصلي و تدعوا الله أن ينصر منتخبنا على نظيره المصري بثلاثة أهداف مقابل صفر،و تضيف أنه وعدها بأن يجلب لها هدية في حال فوزهم ،و تضيف "أم عبد الرحمن" التي كانت في حالة يرثى لها من الحزن و كيف لا و هي تتذكر اللّحظات الأخيرة التي عاشتها مع فلذة كبدها "تحقق حلم ابني عبد الرحمن بفوز الخضر و لكن الأقدار لم تشأ أن يعيش فرحة النصر بل انتقل إلى جوار ربه بعد حادث مروري اليم أثناء احتفالهم في الشوارع مع أقرانه الذي راح فيه الضحية. مآسي مونديال 2010 تعود إلى الأذهان سيتذكر الكثير من أمثال "أم عبد الرحمن" مآسي مباراة الجزائر التي أهّلتهم إلى المونديال،"ديغا" مناصر مولودية الجزائر ذو السابعة عشر ربيعا من مدينة باب الوادي بالعاصمة الذي غرست في صدره طنة خنجر أودت بحياته لا لجرم ارتكبه بل فقط لأنه خرج من بيتهم ليناصر فريقه المفضل لديه و لكن الموت اختطفه و ترك لأهله ذكرى مؤلمة كلّما حلّ موعد مقابلة رياضية ،فيما يروي "عبد النور" من بئر خادم قصته المؤلمة مع مونديال 2010 حيث خرج ليحتفل مع أصدقائه داخل مركباتهم يجوبون الشوارع و الطرقات،مرددين الأناشيد الرياضية الوطنية و في لحظة من تلك اللحظات الرائعة على حسب قول "عبد النور" وقع ما لم يكن في الحسبان بعد أن تعرضوا لحادث مؤلم لم يؤدي بحياة عبد النور و لكن هذا الحادث أقعده الكرسي المتحرك بعد شلّت رجلاه و عجزتا عن الحركة ،و بنبرة حزن و ألم يوصي "عبد النور" جميع الشباب و الأطفال من عدم التهور أو القيام بأعمال شغب قد تكلفهم غاليا خلال المبارايات المصيرية القادمة مستشهدا بالمثل الشعبي"سقسي لمجرب متسقسيش الطبي"،و يبقى "عبد النور" و كثيرون من أمثاله عبرة لمن يعتبر. عنف الملاعب إلى متى؟ شهدت ملاعب كرة القدم الجزائرية أعمال العنف بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة ،و أدت إلى مقتل 7 مناصرين و جرح آخرين من بينهم 1589 شرطي حسبما جاء في وثيقة للمديرية العامة للأمن .و أوضحت ذات الوثيقة أن 567 سيارة منها 270 تابعة للشرطة قد تضررت خلال المقابلات المحلية أو اللقاءات الحاسمة للحصول على اللقب أو مبارايات تفادي السقوط، كما أشار ذات المصدر إلى أن ظاهرة العنف في الملاعب قد أخذت خلال السنوات الأخيرة أبعادا خطيرة مقارنة بالحوادث المسجلة و خطورة الأعمال المرتكبة ،و بخصوص العوامل المؤدية إلى العنف في الملاعب تشير الوثيقة إلى كون هذه الظاهرة فضلا عن بعدها الاجتماعي تغذيها دوافع مرتبطة بعدم تطابق بعض المنشآت الرياضية لمعايير الأمن المطلوبة. غياب التنشئة الاجتماعية الصّحيحة من أهم الأسباب أجمع نفسانيون أن أسباب انتشار هذه الآفة الخطيرة تعود إلى غياب التنشئة الاجتماعية الصّحيحة لدى بعض الأسر و غياب الحوار بين الآباء و الأبناء ما أدى إلى بروز بعض الأفكار الخاطئة في أوساط الشباب بأن الملاعب تعد بمثابة فضاء لإفراغ المكبوتات و التخلص من الضغوطات النفسية التي يعيشها الشباب إضافة إلى تعاطي المخدرات و المشروبات الكحولية قبل دخول الملاعب ،و من بين الحلول التي اقترحوها لمكافحة هذه الظاهرة العمل على تكثيف الحملات التوعوية لزرع الروح الرياضية و روح التسامح بين الشباب و الأنصار ،كما اقترحوا وضع خلايا للتنظيم بالملاعب لتساهم الحدّ من العنف كما شدّدوا على ضرورة تعزيز الأمن في المدرجات و عدم السماح للجماهير بالدخول و في حوزتهم زجاجات للمشروبات أو ألعاب نارية أو غيرها و توعية الجماهير و معاقبة الخارجين عن القانون. الملاعب متنفس الشباب للتعبير عن استيائهم فيما يرى علماء اجتماع الأسباب الحقيقية وراء انتشار الظاهرة التي طالما عانت منها ملاعبنا الوطنية ،تلخصت مجمل التدخلات في كون الأسباب اجتماعية بدرجة كبيرة بعد العشرية السوداء التي عاشتها البلاد و المعاناة التي مست الشعب الجزائري دون التقليل من الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها الشباب في حياتهم اليومية فيجدون الملاعب متنفّسا لهم للتعبير عن مدى استيائهم من العقبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية .