أكد السيد "سعدي مجيد" عميد بالشرطة الجزائرية ل "الفجر" أن ظاهرة العنف في الملاعب تشكل خطرا كبيرا من خلال الإحصائيات الخاصة بموسم 2008-2007، والتي أصبحت تدق ناقوس الخطر، حيث أحصت المديرية 186 حادثا رياضيا على مستوى التراب الوطني أفضى إلى تسجيل 888 ضحية، يتقدمهم فئة الشرطة ب 525 شرطي و45 عون الحماية المدنية و225 متفرج 51 ثم فئة الرياضيين بحصيلة 51 لاعب 30 حكم و4 مسيرين. وكشف المدير الفرعي للعمليات في المديرية العامة الحماية المدنية، مالك كسال، من جهته، ل"الفجر" عن الأرقام الخاصة بحصيلة العنف في الملاعب الجزائرية للموسم الفارط، والتي تشير إلى 394 جريح و324 حالة نقل استعجالي للمستشفيات على المستوى الوطني منها 184حالة سجلت في منطقة الغرب الجزائري و140 بالشرق، كما أحصى سلك الحماية المدنية العدد الإجمالي للمناصرين المصابين والمقدر ب 329 أغلبهم مراهقين، في حين أصيب 64عنصرا من قوات حفظ النظام مع تسجيل إصابة واحدة لعون الحماية المدنية هذا ناهيك عن الأضرار المادية الناجمة عن التكسير و تحطيم المدرجات وزجاج النوافذ و سيارات المطافئ و المشجعين. وأوضح السيد كسال أن مظاهر العنف لا تزال تستفحل في لقاءات الأندية الجزائرية ولا تختلف هذه الأرقام مقارنة بإحصائيات الأعوام السابقة. تأتي ظاهرة المواجهات والرشق بالحجارة من طرف المناصرين في المرتبة الأولى بالنسبة لطبيعة الحوادث المتكررة في كل تدخل للحماية المدنية بالملاعب على مستوى التراب الوطني، حسب إحصائيات جهاز الحماية المدنية الوطني، بالإضافة إلى الشجارات والاشتباكات بين اللاعبين في الميدان، واجتياح أرضية الملاعب من قبل المناصرين خاصة بالنسبة لمباريات البطولة للقسمين الأول والثاني. ضحايا عايشوا لحظات الموت يروي لنا "شنفارة سمير" ضحية من ضحايا هذه الظاهرة، والذي فقد إحدى عينه بسبب حجر قذف باتجاهه حين كان جالسا في المدرجات الخاصة في المنصة الشرفية في إحدى المباريات. بدأت مأساة السيد شنفارة متزوج وأب لطفلة، عندما كان في ملعب 1 نوفمبر في المباراة التي جمعت إتحاد الحراش بنادي رغاية يوم 28فيفري من عام2008، واشتدت المواجهات بين المناصرين أثناء الشوط الأول بعد تسجيل فريق الرغاية للهدف الأول في مرمى الحراش، حيث قذفت العشرات من الألعاب النارية الحارقة في الملعب حسبما رواه السيد سمير ل "الفجر"، ثم تتابعت القذائف من الجهتين والتي شملت كل أنواع الحجارة ومواد البناء كالآجر والقرميد والبلاط الذي أحضر خصيصا لمثل هذه العمليات، ناهيك عن قطع الحديد والأسلحة البيضاء بمختلف أحجامها. ويروي شهود عيان ل "الفجر" أن الملعب كان أشبه بمعركة قتال في ساحة حرب، و لم تهدأ المناوشات إلا بعد عدة محاولات للتحكم في الوضع من طرف قوات حفظ الأمن. وبعد تحطيم أجزاء من الملعب وتسجيل خسائر مادية فادحة إلى جانب عدد من الضحايا والجرحى، بينهم السيد سمير الذي نقل إلى فورا إلى أقرب مستشفى فاقدا للوعي ليتبين أنه فقد عينه اليسرى، إلى جانب بعض الجروح على مستوى الوجه والكتف. أدى هذا إلى تأثر عائلته خصوصا زوجته التي كانت في الأشهر الأولى من حملها والتي ألحقت بها تعقيدات صحية مكثت على إثرها بالمستشفى لعدة أسابيع. يعيش الآن سمير حالة من اليأس بعدما فقد الأمل في العلاج وفي استرجاع بصره حسب الشهادات الطبية التي قدمت ل"الفجر"، أصبح سمير يرتعب لمجرد سماعه هتافات الناصرين وأهازيج الملاعب لأن المشهد يعيد إلى ذاكرته ذلك اليوم المشؤوم الذي غير مجرى حياته. ويبدو أن مسلسل العنف في الملاعب لا يتوقف، ليست هذه الحادثة الأولى إذ سجلت هذا العام فقط مقتل الشابين "حرشي حسين" وشاب آخر من بلدية باب الزوار يبلغ من العمر 22 سنة، فضلا عن مقتل الطفل "خليفة نور الدين" يبلغ من العمر أربعة عشر عاما، إلى جانب آخر من مدينة البليدة يبلغ من العمر 13 سنة. مراهقو العشرية السوداء المتسببون في العنف اليوم أصبح العنف في الملاعب الجزائرية هاجسا يؤرق السلطات الأمنية والرياضية على حد سواء، ويرى، جابي ناصر، أستاذ علم الاجتماع أن سنوات العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر جراء الوضع الأمني الصعب، أفرزت جملة من التداعيات التي كان على رأسها بروز العديد من الآفات في المجتمع الجزائري، إلى جانب الأوضاع الاجتماعية التي يمر بها الشباب هذه الأيام من البطالة وأزمة السكن وتأخر سن الزواج و"الحرفة" كلها أدت إلى استفحال ظاهرة العنف في الملعب. في حين أرجع علماء النفس أن العنف بأنواعه الثلاث الجسدي واللفظي والرمزي يتم بتكرار مشاهده منذ الصغر في الوسط الاجتماعي في البيت، في الحي، في المدرسة والشارع.. ويترجم على شكل تصرفات وسلوكات عنيفة. اقتراحات الفاعلين و المختصين "لابد من وقفة جادة تقف في طريق سير العنف في المدرجات وكبح جماح الجماهير المتعصبة"، هذا ما بادرت به اللجنة الوطنية للروح الرياضية بقيادة السيدة زهية زروق و التي أطلقت تربص الأنصار لأول مرة في تاريخ الرياضة الجزائرية ،وذلك في كل من الجزائر العاصمة وهران وقسنطينة. اقترح مدير ملعب 1 نوفمبر بالحراش وضع كاميرات مراقبة في أرجاء الملعب، إضافة إلى تعزيز قوات التدخل الأمنية في الملاعب خاصة في المباريات الرسمية مع المراقبة الذكية للمشجعين والمدرّجات. أما الأخصائيون النفسانيون والسوسيولوجيون، فأكدوا على ضرورة التحسيس وأهميته ابتداء من مرحلة الطفولة والمراهقة لضمان شباب واع وناضج، ووضع استراتيجيات جديدة للتكفل بظاهرة العنف في الملاعب عن طريق الأيام المفتوحة والندوات الصحفية، التي ستسمح بالانفتاح على الظاهرة وعرض معطياتها الكمية والتمكن من التحكم في العوامل المساعدة على انتشارها بهذا القدر.