تشهد ظاهرة العنف في وسط الشباب بحسب المختصين ارتفاعا مقلقا يدعو إلى التشخيص السريع للأسباب الحقيقية، ولهذا السبب صار محور اهتمام العديد من الندوات ممثلا في عنف الشباب، منها ندوة نظمتها جمعية ''أولاد الحومة'' مؤخرا بمنتدى المجاهد لتوعية الرأي العام والسلطات حول خطورة العنف في المجتمع، وتنوير الأولياء حول أهمية التربية السليمة ودورها في معالجة السلوك العدواني، واستغلال طاقة الشباب والمراهقين في الاتجاهات المفيدة. أصبح السلوك العدواني الممثل في العنف اللفظي أو الجسدي أسرع ردا على المؤثرات الخارجية بالنسبة للعديد من شباب اليوم، ومن الحالات التي يتخذها السلوك العدواني عند الشباب في المجتمع الجزائري حمل الأسلحة البيضاء، العراك بالأيدي، التلفظ بكلمات نابية واللجوء إلى تخريب الممتلكات العمومية، لاسيما في الأيام التي تنظم فيها مقابلات في كرة القدم بغض النظر عما إذا كانت النتيجة سلبية أو إيجابية.. وهذه الظاهرة التي حرمت العديد من هواة المقابلات الكروية من دخول الملاعب الرياضية أصبحت اليوم تشكل حديث الساعة في وسط العديد من المختصين، فالأمر يتعلق بموضوع كبير ليس من السهل الإجابة عنه، أو تقديم حلول أكيدة تفيد في سيطرة الشباب على أنفسهم، في غياب تظافر الجهود. ويرى السيد عبد الرحمان برقي، رئيس جمعية أولاد الحومة، أن العنف في وسط الشباب يشهد تزايدا مقلقا، حيث انتقل من الملاعب إلى مختلف المؤسسات التربوية والأحياء، مما يتطلب المزيد من التحسيس حول هذه الظاهرة للفت انتباه السلطات والرأي العام، من منطلق أن مواجهتها ليست مهمة رجال الأمن أو وزارة الشباب والرياضة فحسب، إنما قضية الجميع. وبناء على المعطيات المستقاة حول الظاهرة من الميدان فإن الإشكالية التي تطرحها هذه الظاهرة هي: ماهي الاستراتيجية التي يجب إرساء دعائمها لمواجهة هذه الآفة المتنامية في وسط الشباب، لا سيما بعد أن صارت انعكاساتها جلية؟.. والمثير هو أن بعض الشباب يلجأون إلى العنف والتخريب حتى خلال المقابلات الكروية الودية، ما يطرح السؤال القائل: من يقف وراء هذا الشباب العنيف؟ وتبعا للمصدر فإنه يتعين على كافة لجان الأحياء أن تتجند من أجل مساعدة الشباب والحيلولة دون وقوعهم كضحايا سهلة لإغراءات شبكات الإجرام، فضلا عن الاطلاع على الأسباب الحقيقية المثيرة للسلوك العدواني في وسط هذه الشريحة للتمكن من مواجهتها.. وفي هذا الصدد تعتزم الجمعية تنظيم اجتماعات في المستقبل القريب على مستوى مختلف بلديات العاصمة للإصغاء إلى انشغالات الشباب. ويلخص السيد برقي وجهة نظره بالقول ''إن الأمر يتعلق بمشكل عميق لا تحله الاجتماعات والندوات، كونه مرتبطا بغياب التنسيق بين مختلف القطاعات، فالإمكانيات موجودة، وما ينقص هو الاستراتيجية''. ويلفت رئيس الجمعية الانتباه إلى الإقصاء الذي يعاني منه العديد من المسبوقين قضائيا في وسطهم الأسري والاجتماعي ككل، مما يحفزهم على العنف والعود الإجرامي. وبرأي ممثل عن المدير العام للأمن الوطني فإن الأمر يتعلق بظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري تستدعي تظافر جهود جميع الأطراف بناء على استراتيجية محددة، وفي هذا الإطار سطرت المديرية العامة للأمن الوطني برنامجا يقوم على إنشاء خلايا إصغاء للتعرف على المشاكل التي تتربص بالشباب والمساهمة في إدماجهم، إضافة إلى تنظيم أبواب مفتوحة لمكافحة العنف الحضري والإدمان على المخدرات. وتشارك في الموضوع السيدة نادية دريدي رئيسة جمعية ترقية المرأة والشباب، والتي ترى أن الأسر، السلطات المحلية، وسائل الإعلام ولجان الأحياء ومختلف الأطراف المحتكة بهذه الشريحة يجب أن تلعب دورها كما ينبغي من خلال الإصغاء إلى انشغالات الشباب، حيث أن الوعود الزائفة لم تعد تغري. ودعا عموما المواطنون المشاركون في الندوة إلى تشجيع سبل الحوار مع الشباب من خلال قنوات دائمة، إلى جانب اعتماد سياسة إعلامية تقدم نموذجا بديلا عن العنف يقوم على التسامح والسيطرة على العواطف والعفو عند المقدرة. وأبرزوا أيضا أن الجانب النفسي يمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تولد العنف لدى الشباب، كونهم يعانون من الشعور بالحرمان وفقدان الثقة بالنفس، فضلا عن النظرة التشاؤمية تجاه المستقبل والإحساس بالفراغ والفشل، مما يشير إلى أن للبيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها دورا في نشأة العنف لديهم، حيث تكمن المشكلة في عدم استغلال الطاقة الشبابية لاسيما وأن عدة مشاكل تعترض سبيلها على غرار البطالة. ويضاف إلى ذلك تأثير جملة من العوامل الأخرى كالفوارق الاجتماعية، غياب دور السلطات المحلية في مجال الاهتمام بالشباب.. وبهذا الخصوص تساءل أحد المواطنين قائلا ''أين هي مرافق الشباب في العاصمة التي تنام على الساعة السادسة مساء؟''.. وما ظاهرة ''الحيطيست'' إلا نتيجة للفراغ الذي يعاني منه الشباب. بحسب المتحدث. واتفق بعض المتدخلين على أن المسألة مرتبطة من ناحية أخرى بضعف التنشئة الاجتماعية لأن التقويم الصحيح للسلوك من قبل الأسرة يلعب دورا كبيرا في منع الجريمة أو السلوك المنحرف في المجتمع، فعندما تكون الصلة بين الوالدين والأطفال متقاربة، لا متنافرة، فإنها تعزز المشاعر الطيبة بين الآباء والأبناء.. كما أنه من المفيد جدًا أن يتعاون المواطن مع الجهات الأمنية للسيطرة على المظاهر العنيفة بهدف إحداث حالة أمنية بين المواطنين.