لا تزال المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو مصدراً مداراً للنقاش سواء في الإعلام التركي المؤيد منه للحكومة المنتخبة والمعارض لها. وأثر الانقلاب بل قلب معادلات إقليمية ودولية، فالمحادثة الأولى التي تلقاها رجب طيب أردوغان من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كانت دفعة نفسية فيما فاجأه حلفاء تركيا من الأمريكيين ودول الإتحاد الأوروبي بالتعاطف بل وإبداء القلق حول مصير ديمقراطية مهمة في منطقة تشهد توترات ونزاعات دموية. وبدا الإعلام الغربي مهتماً أكثر بمصير الانقلابيين وليس بمصير الديمقراطية التي كان العسكر يريدون دفنها في التراب. وكانت المحاولة فرصة أرسلتها العناية السماوية كما قال أردوغان لكي يصفي حساباته مع رجل الدين فتح الله غولن، المقيم في منفاه الآمن في ريف بنسلفانيا. وهو المتهم الأول بتدبير المحاولة حيث طالب الولاياتالمتحدة بتسليمه إلا أنها تتعلل بالإجراءات القانونية وغياب الأدلة القوية. حكاية طويلة وقصة انقلاب الخامس عشر من تموز/يوليو ليست وليدة أشهر من التنظيم والتخطيط الذي فشل في تحقيق هدفه بل كما يقول ديكستر فليكنز، المراسل المتجول لمجلة «نيويوركر» الأمريكية منذ 30 عام وتساءل إن كان غولن حاول فعلاً الإطاحة بالحكومة التركية؟ ويبدأ رحلته من مكتب رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار، الذي دق باب مكتبه في أنقرة أحد مساعديه الصغار في الساعة التاسعة من مساء 15 تموز/يوليو وأخبره أن هناك محاولة انقلابية جارية. وقال «سنلقي القبض على الجميع» وقال «الفرق والكتائب في طريقها وسترى قريباً»، وشعر أكار بالفزع وقال «عن أي شيء تتحدث؟». وفي المدن الأخرى أمر الجنرالات المشاركين في الانقلاب جنودهم بالقبض على المسؤولين البارزين وإغلاق الطرق والجسور المهمة وتأمين المراكز الحيوية مثل أتاتورك الدولي في اسطنبول. وحلقت أكثر من عشرين مقاتلة إف-16 في الجو. وحسب الشهادات طلب المتآمرون من اكار الانضمام إليهم وعندما رفض قيدوه وأخذوه إلى القاعدة العسكرية التي احتجزوا فيها بقية الجنرالات. وفي مرة قام أحد الجنود بتصويب البندقية على رأسه وهدد بإطلاق النار. وبعد منتصف الليل أجبرت مذيعة الإذاعة والتلفزيون التركي على قراءة بيان من «لجنة السلام الوطني» والذي اتهمت فيه بدون تسميته أردوغان بتدمير البلاد والفساد. ويبدو أن الانقلابيين كانوا متأكدين من نجاح انقلابهم حيث استسلم أو انضم إليهم قادة جهويون ومحليون. وتظهر سلسلة من الرسائل الهاتفية اكتشفت بعد الانقلاب كيف أخبر الميجور مراد شلبي أوغلو مجموعته «تم الاتصال بنواب قائد شرطة اسطنبول وبلغوا وأذعن العدد الأكبر منهم». ورد العقيد أوزان شاهين «أخبر اصدقاءنا الشرطة: أقبل عيونكم». ملاحقة الرئيس ومع ذلك كانت الخطة على ما يبدو غير منظمة، وفشل فريق أرسل بمروحية لتحديد مكان أردوغان والقبض عليه في منتجع مرمريس، رغم المواجهة بينهم وحرسه، ولم يستطع المتمردون السيطرة إلا على محطة تلفزيون واحدة وتركوا شبكات الهواتف الخلوية بدون تشويش. واستطاع أردوغان تسجيل رسالة مسجلة أذيعت عبر «سي أن أن ترك» ودعا فيها الأتراك إلى الخروج للشوارع، واستجابوا له بأعداد كبيرة. ووجد الانقلابيون أنفسهم في وضع إما إطلاق النار على المتظاهرين أو وقف انقلابهم. ومع حلول الساعات الأولى من الفجر كان الانقلاب قد انتهى. وأعلن أردوغان حالة الطوارئ العامة وظهر في سلسلة من التجمعات الحاشدة مذكراً الأمة بثمن الانقلاب. وقتل بعض المتآمرين المتظاهرين ورفاقهم الذين عارضوهم بوحشية. وسمع ملازم واجه مقاومة وهو يقول لجنوده «اسحقهم، احرقهم، لا تستسلم». وقتل في المحاولة أكثر من 260 شخصا وجرح الآلاف. وضربت مقاتلات إف-16 البرلمان في أنقرة وأحدثت فيه خروقا وتناثرت القطع الإسمنتية في ممراته.