رمضان في رحاب جامع الجزائر: زمن الإيمان وعهد البناء بقلم: محمد المأمون القاسمي الحسني* ها هو رمضان يعود في مداره الأزليّ يبعث في القلوب إشراق الإيمان ويفتح للنّفوس أبواب الرحمة والغفران والعتق من النّيران. إنه الشّهر الذي تتنزل فيه السّكينة وتمتلئ أوقاته بالنّفحات وتتزيّن لياليه بالقيام وتتعطّر أنفاس صائميه بتلاوة القرآن. ولئن كان رمضان زمان العبادة فهو كذلك مدرسة التّقوى وموسم التزكية وميدان التآخي والتكافل حيث تصفو الأرواح وتتآلف القلوب فيجتمع الجزائريون كما عهدهم التاريخ دوما على مائدة الوَحدة الجامعة وفي رحاب الوطنية الصادقة. يأتي رمضان هذا العام وجامع الجزائر هذا الصرح الشامخ يُكمل عامًا من رسالته النبيلة منذ افتتحه السّيّد رئيس الجمهوريّة حيث أضحى موئل المُصلّين ومنارة العلم الشّريف ومقصد الباحثين عن الهداية ونور اليقين. فالجامع ليس حجارة تُرفع ولا مئذنة تُشمخ بل هو فكرة راسخة ورسالة ممتدّة تعيد إلى المسجد دوره الجامع فتجمَع الجماهير المؤمنة في رحابه والعلماء العاملين في أروقته وتُحيي في الأمّة روح الأصالة والتجديد. وإنّه لممّا يُشكر ويُذكر أن يكون لهذا الإنجاز من رعى بذرته وواكب نموّه حتى استوى بناءً عامرًا يؤدّي رسالته في إشعاع فكريّ وإيمانيّ يليق بمقام الجزائر وتاريخها الحافل بالأمجاد. ورمضان كما أنّه عهد الصيام فهو عهد البناء وكما أنّه موسم العبادة فهو موسم النّهضة. فليكن لنا موعدًا مع تجديد العهد عهد الجزائر التي توحّد صفوفها وترعى أبناءها وتصون كرامتها وتحفظ قِيمها ولا تتنازل عن مبادئها ولا تفرّط في أيّ من ثوابتها ومقوّمات شخصيّتها. ففي زمن تتلاطم فيه أمواجُ الفتن يبقى الصّيام درعًا للنّفس كما تبقى الوحدة درعًا للوطن. وما أحوجنا في هذا الشهر إلى أن نكون صفًا واحدًا وأن نُحيي قِيم التّضامن ونشدّ أزر إخواننا المستضعفين ونعيدَ إلى فلسطين موقعها في قلوبنا بالدعاء وبالنّصرة الصادقة في السّرّاء وفي الضّرّاء. فمرحى برمضان ومرحى بأيّامه المباركات. جعلنا الله وإيّاكم من عُمّاره بالصّيام والإيمان وتلاوة القرآن وجعل الجزائرَ دائمًا شامخةً بالإسلام رائدةً برسالتها الحضاريّة منيعةً بوحدتها ومرجعيّتها الوطنيّة. والله وليّ الإعانة والتّوفيق.