"الخليع".. اللحم المقدد الذي بدأ في الاندثار بعدما كان عنصرا أساسيا في الأطباق التقليدية وما تفتقده العائلات حاليا وبدأ في الاندثار مع رياح التطور و العصرنة, إستنادا للمتحدثة -و لكن بتعبير أهل البداوة وبلغة تحمل الكثير من الأسى والحسرة- هو أن "الخليع" (الذي هو اللحم المقدد الذي يحفظ بطريقة تقليدية ويتم تجفيفه لفترة طويلة في مكان مهوى ويكون له مذاق خاص) قد بدأ يزول تدريجيا و أحيانا غاب فعلا و لم يصبح له وجود . وبالرغم من أن طهو البركوكس بالخليع أصبح في طي النسيان غير أنه لا يزال محفوظا في ذاكرة الحاجة فاطمة و يعد بالنسبة لها طبق تقليدي ساحر بمذاقه يشتهيه الرجال ويتلذذ به الصغار و يحلو عند النسوة اللواتي لا يجدن متعة أكثر من متعة طهيه على نار هادئة وعلى بقايا الحطب فتعم رائحته كامل أرجاء الخيمة آنذاك حتى ينسى من فيها هم البرد و قساوة الطبيعة والخوف من هبوب الرياح وهوج العاصفة، ومع هذا يجد "الخليع" مكانا له و لكن في أسر البدو الرحل التي مازالت تحافظ على وصفات سحرية للأكل الشعبي التقليدي و في زوايا العمران يبقى مجرد ذكرى عند الأسر التي جعلت من المدينة ملجآ لها حسب العارفين بخبايا المجتمع المحلي. محلات بيع التوابل تزدحم بمن يبحثون عن "الهرماس".. وبعض العقاقير الخاصة ب"البركوكس"... يلاحظ بولاية الجلفة خلال هذه الأيام الشتوية المصحوبة ببرد قارس حركية غير عادية عند بائعي التوابل و العقاقير النباتية و الطلب واحد يتعلق سواءا بالمردود المصنوع بطريقة تقيلدية وكذا عن الهرماس "المشمش المجفف في أشعة الشمس" فضلا عن الثوم الأحمر و كذا رأس الحانوت و الزعتر و"الكليلة" المصنوعة من اللبن المخثر المجفف، وهي كلها مكونات تستعمل في طهو أطباق شتوية يجتمع على تسميتها بالكامل "الحوثة" وهي أطباق البركوكس والشخشوخة وغيرها مما تضفي دفئا خاصا في جو عائلي يجتمع فيه الكل على مائدة واحدة. نساء جلفاويات تختار هذه الأطباق التقليدية لطهيها وتقديمها بما يسمى محليا "المعروف"... تطهو الكثير من النساء الجلفويات "البركوكس" يضاف له أحيانا قطع من لحم الدجاج و أحيانا أخرى من اللحم الأحمر حسبما هو ميسر من أجل أن يخرج به عند تحضيره إلى الشارع و يأكل منه عابري السبيل وأبناء الحي وحتى من هم بدون مأوى من المشردين. و يقصد بما يتم تحضيره ب"المعروف" وهو عادة بالنسبة لكثير من الأسر التي تتشبث بهذه الخصلة الحميدة الراسخة في الأذهان و يراج أن فيها بعد عقائدي كونه - أي المعروف- فعل تضامني يذهب البأس و يبعد القدر المشؤوم ويصرف البلاء، و يحبذ المعروف عند أصحابه بذلك الذي يخرج في عز أيام الشتاء بحيث يعتبر عند البعض بمثابة شكرا لله على النعمة و التصدق بما هو حاضر من هذا الأكل الذي يجتمع عليه الناس ضمن ما يعرف به محليا بالقصعة الكبيرة التي سرعان ما تنفض و يطالبون بالمزيد وهي أساس اللذة التي لا مثيل لها في هذا السلوك التضامني.