تعبقت أجواء قصر الثقافة بمناسبة احتضانه لتظاهرة أيام فن الطبخ بالروائح الطيبة والزكية للأكلات الشعبية التي تشتهر بها ولايات الهضاب العليا، ممثلة في برج بوعريرج، سطيفوالمسيلة، فرغم التشابه الكبير بين هذه الأطباق، فإن ممثلي الولايات ركزوا على الاختلافات التي تجعل كل ولاية متميزة عن غيرها، وكان بالطبع الجمهور الغفير مستعدا بملاعقه للتذوق وإعطاء رأيه حول ”بنة” هذه الأطباق. ما إن وضعت الأطباق وتم تصفيفها على ثلاث موائد، حتى اجتمع زوار القصر، بمن فيهم الأطفال الذين رافقوا ذويهم وكلهم شغف لمعرفة ما تم طبخه، فكانت البداية مع ولاية سطيف التي مثلتها السيدة صورية بن شيف، حرفية مختصة في الأكلات الشعبية والحلويات التقليدية، حدثتنا عن الأطباق التي أرادت التعريف بها، فقالت؛ ”كما هو معروف، اشتهرت ولاية سطيف بالعجائن، لذا اخترنا المشاركة بأحد أشهر الأطباق الشعبية في الولاية والمتمثل في طبق ”المفرمسة”، ميزته الأساسية تتمثل في المرق الذي يختلف عن غيره من حيث المكونات التي يشكل فيها ”الفرماس” أو ”الهرماس”، وهو المشمش المجفف والزبيب ومعجون التمر، المكون الأساسي، لإضفاء ”بنة” على المرق الذي يجمع بين الحامض والحلو، وبعد تفتيت ”الكسرة”، يتم سقيها بالمرق الأحمر الذي يعد بالدجاج واللحم، وعادة ما يحضر طبق ”المفرمسة” في المناسبات، وكما يقال عندنا بالولاية، تعلق المتحدثة: ”إذا كنت تحب شخصا ادعه إلى تناول أكلة ”المفرمسة”. وبالنسبة للطبق الثاني الذي رغبت السيدة صورية تعريف الزوار به؛ طبق ”الشخشوخة” السطايفية التي تعجن بطريقة مختلفة عن تلك المعروفة بباقي الولايات، حيث تفتت بصورة رقيقة، وتسقى بمرق الدجاج واللحم، الذي يشترط أن يكون أحمر اللون، لأنه المرق المفضل في ولايات الهضاب العليا، إلى جانب ”شوربة سطيف” التي تطبخ أساسا بثلاثة مكونات وهي اللحم واللحم المرحي والدجاج، وميزتها ”الفريك” المخلوط ب«المرمز” لإعطاء ”بنة” مختلفة، وتعد من الأكلات الضرورية في الأعراس. تؤكد الحرفية صورية على أن ولاية سطيف كانت ولا تزال حريصة على الحفاظ على أطباقها التقليدية التي تظهر بشكل كبير في الأعراس والمناسبات الدينية، حيث تحرص العائلات على إعداد الأكلات التقليدية لتظل حاضرة، ومع هذا نجد بعض الأكلات التي اختفت نوعا ما، كطبق ”الحرشاية” وهو عبارة عن ”كسرة” الشعير والقمح ”ومع هذا أحاول من خلال عملي كحرفية، إعادة إحيائها من خلال المشاركة في مثل هذه التظاهرات”.
”الشخشوخة” وطبق ”الكسكاس” من روائع الطبخ البرايجي ما إن فرغ زوار المعرض من تذوق مختلف الأطباق التقليدية التي جادت بها أنامل السيدة صورية التي برعت في تقديم معلومات مختلفة حول أسماء الأطباق ومكوناتها للراغبات في طبخها، وأهم الخصوصيات التي تميزها عن الأطباق التي تشابهها، حتى التف حول مائدة الحرفية فتيحة صحراوي رئيسة جمعية ”الزهور للمرأة والفتاة” لولاية برج بوعريرج التي برعت هي الأخرى في إبراز التميز والخصوصية التي تشتهر بها المنطقة فيما يخص الأكل التقليدي، وكان من بين الأطباق التي شاركت بها؛ ”الشخشوخة” التي قالت بأن خصوصيتها تكمن في التوابل التي تستخدم في المرق وتجمع بين ”الفواح”، الكمون، الفلفل الأسود و«الحمار” وهي طماطم مجففة، تعد خصيصا بالدجاج كشرط أساسي لضمان ”البنة”، أما بالنسبة للشخشوخة التي تسمى ”المفتت” فتعد من ”الفطير” وتفتت بصورة رقيقة، تغطى بالمرق، مما يعطيها طراوة خاصة. تمثل الطبق الثاني في أكلة الكسكاس الذي لا يوجد بأي ولاية، وتشتهر به ولاية برج بوعريج فقط، وحسب محدثتنا، سمي بهذه التسمية لأنه يجري تفوير بعض الخضر مثل الخرشف واللفت ويرفق بالحمص، وبعد أن يطهى المرق من لحم الخروف تسقى الخضر واللحم بالمرق والدهان الحر الذي يتم تخزينه سلفا. من بين أهم الأطباق التقليدية أيضا التي أبدعت الحرفية في تحضيرها؛ طبق ”البركوكس” أو ”العيش”، كما يحلو للبرايجين تسميته، حيث يسقى بالمرق الأحمر المكون من ”الفرماس” ومختلف الحبوب الجافة لإعطائه مذاقا خاصا، ويزين بالنعناع الذي يؤمن له ذوقا مميزا. سعت أيضا الحرفية فتيحة إلى تقديم بعض الأطباق الحلوة، فأعدت ”الطمينة” البرايجية التي قالت عنها بأنها تعد من دقيق الحمص المحمر وتخلط بالزبدة والعسل، وتزين بمختلف الحلويات كحلوى ”الدراجي” والمكسرات، حيث لقيت إعجاب كل من تذوقها لانفرادها بمكون لا يستعمل عادة في ”الطمينة” وهو مسحوق الحمص.
”الزفيطي” تشتهر بها المسيلة بدون منازع بعد الانتهاء من تذوق مختلف والأطباق التي مثلت عراقة وأصالة ولاية برج بوعريريج، تساءل زوار المعرض عن الأكلات التي حضرتها ولاية المسلية التي كانت بدورها في الموعد، وبعد لحظات، كشفت السيدة فاطمة الزهراء بن مرقسي رئيسة جمعية ”ترقية المرأة ورعاية الطفولة” من المسيلة عن الغطاء الذي أخفت به الأكلات وراحت تحدث الجمهور عن أعرق طبق تقليدي عرف بالولاية، وهو طبق ”الزفيطي” و”الشخشوخة”، ولأن طبق ”الشخشوخة” هو الأكثر تداولا في ولايات الهضاب، ارتأت فاطمة الزهراء البدء بشرح ما يميزه، بالتأكيد على أنه يبدو للوهلة الأولى أنه يتشابه مع غيره من أطباق ”الشخشوخة” الموجودة بالولايات الأخرى، غير أنه يصنع انفراده من ”بنته” التي تستمد مصدرها من رأس الحانوت الذي يعد بطريقة خاصة، ناهيك عن كون ”الشخشوخة” المسيلية تغيب فيها الخضر وهو عنصر يميزها أيضا ويجعلها مختلفة. أما الطبق الثاني فكان يتمثل في ”الزفيطي” الحار الذي يطبخ بالثوم والبصل والكثير من الفلفل والقصبر واللحم في مرق أحمر تسقى به ”الكسرة” التي يجري تفتيتها بشكل رقيق، والذي نال إعجاب المتذوقين رغم ذوقه اللاذع.