شهدت الأيام الأخيرة تطورات هامة في التحقيقات المتواصلة حول محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز الماضي، حيث جرى الكشف عن معلومات جديدة وتأكيد أخرى حول القادة العسكريين والمدنيين لمحاولة الانقلاب التي أسفرت عن مقتل نحو 250 شخصا وإصابة الآلاف. ورأت وسائل الإعلام التركية وشريحة واسعة من المواطنين، أن المعلومات الجديدة تُثبت بشكل قطعي مسؤولية فتح الله غولن عن محاولة الانقلاب، وتؤكد وجود دور أمريكي في دعم المحاولة، على حد تعبيرهم. كل ذلك في ظل استمرار المخاوف من إمكانية حصول تحرك عسكري جديد ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. أبرز المعلومات الجديدة تم الكشف عنها في ملف التحقيقات الذي تم الانتهاء منه وإرساله إلى القضاء، والمكون من 5 آلاف صفحة والمتعلق بكافة التفاصيل حول إدارة الانقلاب من قاعدة «أكينجي» الجوية في العاصمة أنقرة، وتحليل الاتصالات بين قادة الانقلاب. وحسب التحقيقات الأخيرة، تم التأكد من أن قائد القوات الجوية التركية السابق أكين أوزتورك هو من أبرز قادة محاولة الانقلاب، وأنه كان على اتصال مباشر ومن خلال معاونيه مع قادة الانقلاب الآخرين، وذلك بعد نفي وتشكيك سابق، موضحةً أنه جرى إقامة خط اتصال وتنسيق بين غرفة العمليات المركزية في مقر قيادة القوات الجوية في العاصمة مع غرفة إدارة الانقلاب المركزية في قاعدة أكينجي. وتشير مُجمل التحقيقات الأخيرة إلى أن قيادة الانقلاب كانت بالدرجة الأولى من المدنيين وليس من قيادات الجيش العسكرية، حيث جرى التنسيق الأساسي واتخاذ القرار في الأطر المدنية المقربة من فتح الله غولن، ومن ثم جرى إصدار الأوامر للقادة العسكريين الموالين للتنظيم. وحسب التصنيف الذي نشرته وسائل إعلام تركية، فإن السائد حالياً أن فتح الله غولن هو القائد الأول للانقلاب، يليه في الترتيب الثاني «عادل أوكسوز» المدني المقرب جداً من غولن والمختفي عن الأنظار حتى الآن. ويأتي في الترتيب الثالث «أكين أوزتورك» القائد السابق للقوات الجوية، والذي بات يصنف أيضاً بالقائد العسكري الأول للانقلاب. وبالدلائل الملموسة، أثبتت التحقيقات الصلات بين غولن وعدد من أبرز قادة الانقلاب، بالإضافة إلى تحركاتهم الخارجية وزياراتهم المكثفة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الانقلاب، وجرى إثبات ذلك من خلال سجلات السفر الرسمية عبر المطارات التركية وأرقام وتواريخ الرحلات ووجهاتها، بالإضافة إلى اثبات صلتهم التاريخية بغولن، وصور وفيديو تثبت تحركاتهم وأماكن وجودهم ليلة الانقلاب والمهام التي أوكلت إليهم. عادل أوكسوز الرجل الثاني في الانقلاب الذي تثبت الصور ومقاطع الفيديو علاقاته التاريخية القريبة من غولن تثبت سجلات السفر المنشورة أنه سافر أكثر من 100 مرة إلى خارج تركيا بين عامي 2002 و2016، وخلال العامين الأخيرين فقط سافر 12 مرة أغلبها إلى الولاياتالمتحدة. لكن أخطر هذه السفريات كانت قبل 4 أيام من محاولة الانقلاب، حيث مكث لمدة يومين في الولاياتالمتحدة وعاد إلى تركيا في تاريخ 13 تموز/يوليو، أي قبل يومين من محاولة الانقلاب، وبعد أن اعتقل «أوكسوز» في قاعدة أكينجي مركز الانقلاب، تمكن أحد القضاة التابعين لتنظيم غولن من إطلاق سراحه، واختفى من وقتها وسط شكوك بتمكنه الهرب من تركيا ووصوله إلى الولاياتالمتحدة، وتضعه تركيا حالياً على «القائمة الحمراء» وتعرض 4 ملايين ليرة مكافأة لمن يساعد في اعتقاله. القيادي المدني الذي يأتي في التسلسل بعد أوكسوز هو كمال باطماز الذي أدار مجموعة كبيرة من منظومة غولن الاقتصادية والإعلامية، واثبتت التحقيقات أنه كان ينسق بشكل مباشر مع أوكسوز، كما أنه شاركه السفر إلى الولاياتالمتحدة. وتشير سجلات السفر إلى أن باطماز سافر إلى الولاياتالمتحدة عدة مرات ترافقت أغلبها مع سفر أوكسوز، وكان أبرزها الرحلة الأخيرة التي سبقت الانقلاب ب4 أيام حيث غادرا وعادا على الطائرة نفسها قبل يومين من الانقلاب. وأظهرت الصور من مطار أتاتورك الدولي الرجلين وهما يسيران إلى جانب بعضهما البعض، ولاحقاً اعتقل في قاعدة أكينجي ثاني أيام محاولة الانقلاب. وفي الحلقة نفسها، يظهر اسم جديد وهو هارون بينش، المهندس الذي تؤكد السلطات التركية وجود صلات قوية له مع جماعة غولن، حيث اتهم سابقاً بأنه المؤسس الفعلي لشبكة التنصت التي قامت بها الجماعة داخل الدولة وذلك أثناء عمله في إدارة الاتصالات التابعة للدولة، حيث جرى التنصت على كبار قادة الدولة، وعلى رأسهم أردوغان ورئيس الاستخبارات، إلى أن اعتقل هو الآخر في قاعدة أكينجي ليلة الانقلاب. الأسماء الثلاثة السابقة أوكسوز وباطماز وبينش جمعتهم العديد من العوامل العامة، وهي أنهم من المدنيين وليسوا عسكريين، وتم إثبات صلاتهم بغولن وسفرهم إلى الولاياتالمتحدة. كما أظهرت الصور ومقاطع الفيديو وجودهم داخل قاعدة أكينجي ليلة الانقلاب وإشرافهم على توجيه قادة عسكريين، حيث جرى اعتقال الثلاثة هناك، وقدموا في شهاداتهم المنفصلة مبرراً واحداً عن سبب وجودهم في محيط القاعدة ليلة الانقلاب وذلك بالقول»كنت أبحث عن قطعة أرض للشراء في تلك المنطقة وتصادف حصول محاولة الانقلاب». كما تم الكشف عن أن هاكان تشيتشك، وهو شخصية مدنية يدير مدرسة تابعة لجماعة غولن في أنقرة، اعتقل ليلة الانقلاب في قاعدة أكينجي، وأنه سافر ثلاث مرات إلى الولاياتالمتحدة في عام 2016 فقط، وأن فترات سفره تزامنت مع سفر الثلاث شخصيات السابقة. وبينما تم اعتقال باطماز وبينش، ما زال السر الأكبر حتى اليوم هو اختفاء أوكسوز الذي يُجمع محللون أتراك أنه لو جرى اعتقاله لأمكن إثبات الصلات المباشرة بين الولاياتالمتحدة وقادة الانقلاب، وهو ما يفسر حسب تعبيرهم المعلومات التي تأكدت بأن القنصلية الأمريكية في اسطنبول اتصلت بأوكسوز بعد 6 أيام من محاولة الانقلاب. وقبل أيام أكدت محكمة تركية هذه المعلومات، وبينما اضطرت السفارة الأمريكية إلى الاعتراف بأنها أجرت الاتصال ل«إبلاغه بإلغاء تأشيرة دخوله للولايات المتحدة»، قال وزير العدل التركي ورئيس الوزراء بن علي يلدريم إن هذا التفسير «غير كاف». وتضمن تحقيق صحافي نُشر في الصحافة التركية أسماء عدد من المهندسين والتقنيين الذين تم إثبات علاقاتهم القديمة بجماعة غولن حيث جرى تكليفهم بمهام تتعلق بمحال اختصاصهم ومنها السيطرة على بث الفضائية الرسمية لبث بيان الانقلاب وإسكات وسائل الإعلام والتحكم في شبكة الاتصالات والقمر الاصطناعي «تورك سات»، وجرى بث مقاطع فيديو تُظهر المهام التي قاموا بها ليلة الانقلاب ولحظات هروبهم واعتقالهم. وأمس، تم تقديم لائحة اتهام جديدة ضد أحمد أوزتشيتين على أنه هو الشخص الذي كُلف بإدارة حركة الطيران من قاعدة أكينجي الجوية. وحسب شهادات الطيارين الذين نفذوا الغارات ليلة الانقلاب فإنهم تلقوا تعليمات بالقيام بطلعات استكشافية وأوامر بعمليات القصف التي استهدفت مقر القوات الخاصة ورئاسة أمن أنقرة ومحيط قصر الرئاسة والعديد من الأماكن الأخرى. ووصفت اللائحة أوزتشيتين بأنه من أبرز قادة محاولة الانقلاب وقادة جماعة غولن التي باتت تسمى ب»تنظيم غولن الإرهابي». وفي حوار تلفزيوني، مساء السبت، أكد بن علي يلدريم أن السلطات القضائية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ما زالت تماطل في تسليم فتح الله غولن إلى تركيا. وقال: «السلطات القضائية في تركيا أرسلت إلى نظيرتها في الولاياتالمتحدة الأدلة والوثائق الكافية التي تثبت تورط منظمة غولن في محاولة الانقلاب غير أنّ واشنطن تماطل بإعادة غولن إلى تركيا».