أن يتورّط مدير أو وزير أو أي موظف في الحكومة في فضائح الاختلاسات والتحويلات والتزوير واستغلال النفوذ فهذا وارد ويحصل كل يوم في الجزائر، والدليل على ذلك العدد الهائل من رؤساء البلديات والدوائر والولاة والمديرين والموظفين المسجونين أو المتابعين قضائيا في انتظار إدانتهم وسجنهم. لكن أن تنتقل اللصوصية والسرقة إلى من يسمون أنفسهم ممثلي العمال من رؤساء النقابات، فهذا لا يحتمل وينبئ بخراب شامل للبلاد واندثار أبدي للقيم. من المفروض أن الدور الأساسي للنقابات هو الدفاع عن حقوق العمال من خلال التفاوض مع الإدارة أو الوزارة، وفي حالة الانسداد تلجأ إلى وسائل الضغط المكفولة دستوريا كالإضرابات أو المظاهرات، وعادة تنجح هذه الوسائل وترضخ الإدارة للمطالب. وحصل ذلك عدة مرات مع نقابات التربية والصحة واستطاعت افتكاك مطالبها بعد شهور من الإضرابات والمسيرات. كما أن النقابات الكبيرة تملك إطارات لهم من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهم لمراقبة العمل الحكومي ومدى تماشيه مع الحفاظ على حقوق العمال. هذا ما يجب أن يكون في العمل النقابي العادي، أما في الواقع، فبدل أن يكون العمل النقابي عملا تطوعيا يختار فيه الشخص خدمة الآخرين، تحوّل في الكثير من النقابات إلى مصدر للثراء من خلال امتيازات يحصل عليها عمال أو موظفون لأنهم إطارات في النقابة، وهو ما يفسر الحروب التي تندلع في الجمعيات العامة الانتخابية من أجل المناصب، تماما كما هو حاصل في قسمات حزب جبهة التحرير الوطني. ظاهرة النقابيين المتورطين في الفضائح تشمل كل القطاعات، بل وتعدتها إلى النقابات الطلابية، ولم يعد غريبا مشاهدة أمين عام تنظيم طلابي في سن الأربعين، أي أنه من المفروض أن يكون خارج الجامعة، كما لم يعد غريبا مشاهدة طالب نقابي بسيارة وهو الذي دخل الجامعة يأكل في مطعم ''24 دورو'' ويركب الحافلة، بل إن من زعماء الطلبة من يسهر مع العميد أو رئيس القسم في الليل ثم يأتي في الصباح ليطالب بالإضراب. الحقيقة أن السلطة هي التي شجعت بعض النقابات على الانحراف عن وظيفتها الأساسية، فضمت الاتحاد العام للعمال الجزائريين إلى الحكومة لدرجة أن أمينه العام أهم من كثير من الوزراء، وسدت أفواه النقابات المستقلة المتمردة، أما من لم تقدر عليه فأغرته بالامتيازات وأغرقته في خيراتها حتى أصبح يستحي أن يكون من الذين يقال عنهم ''يأكلون الغلة ويسبّون الملة''. [email protected]