تجربة ''الخبر'' خلال 20 سنة تم بناؤها لبِنَة لبنة، على أسُس ثابتة.. بالاعتماد على إرادة وكفاءة مجموعة من الصحفيين الشباب، طلّقوا الأساليب البالية التي كانت تسيّر الإعلام العمومي الأحادي قبل التسعينيات، والتي لم يكن بمقدورها تلبية حاجيات القراء. وتبلورت معالم نجاح هذه التجربة الفريدة من نوعها في تاريخ الصحافة الجزائرية والعربية، باحتلال ''الخبر'' خلال عقدين، المراتب الأولى في جميع التصنيفات التي تقوم بها دوريا المنظمات الدولية المتخصصة.. فكانت بالفعل مفخرة لصناع هذه اليومية ولكل الجزائريين، حتى إنها أصبحت مرجعا إعلاميا لأكبر مراكز صنع القرار والتأثير في الرأي العام على المستوى الداخلي والخارجي.. وهذا في حد ذاته يعكس المكانة الراقية التي تحتلها يومية ''الخبر''. لكن ما سر نجاح هذه التجربة؟ قبل الخوض في تفاصيل الإجابة، يجدر بنا أن نرجع إلى الوراء؛ حيث يحضرني في الذاكرة تصريح صحفي أدلى به الزميل عابد شارف، وكان حينها أول رئيس مدير عام ل''الخبر'' في بداية التجربة، وهو أحد مؤسسي هذا العنوان، حيث ذكر بالحرف الواحد ''أن الفريق المؤسس للخبر ينوي أن يجعل منها أول جريدة على المستوى الوطني والمغاربي''. آنذاك اعتبرت إدلاءه بهذا التصريح من باب الطموح والتسويق للمشروع لا أكثر، خاصة في ظل المشاكل التي اعترضت سبيلنا؛ حيث فرضت علينا المطابع العمومية أن نتحول إلى جريدة مسائية، مع العلم أن العمل الذي كان يقوم به فريق التحرير له طابع يومية صباحية، وهذا ما أثّر سلبا على مبيعات الجريدة التي كانت تصدر كل مساء في مطبعة المجاهد بمادة إعلامية مستهلكة في اليوميات الصباحية. تصريح عابد شارف تجسد وتحقق بعد العشرية الأولى، وتجاوز صدى ''الخبر'' الحدود الوطنية والمغاربية. ولعل ما تميزت به مسيرة ''الخبر''، خلال العشرين سنة الماضية، هو غيرتها وحفاظها المستميت على استقلالية خطها الافتتاحي، رغم العديد من العراقيل والأحداث الكبرى التي عايشتها طوال هذه التجربة. ما أضفى على منتوجها الإعلامي طابعا مهنيا يتميز بالموضوعية في تلقي الأخبار ومعالجتها، والتركيز على المعلومة الإخبارية، والابتعاد عن الذاتية والتعليق المنحاز.. ومن هنا جاء شعار ''الصدق والمصداقية'' الذي يتجسد يوميا في نصف مليون نسخة، وبنسب بيع ومرتجعات أبهرت عددا كبيرا من الإعلاميين الأجانب. لكن هذا لم يكن ليكفي لو لم تحظ ''الخبر'' بكل الوسائل التي تسمح لها بحماية هذه الاستقلالية، بعيدا عن مخالب وأطماع الساسة ورجال الأعمال، بدءا بالتحكم في وسائل التوزيع والطبع.. فكانت ''الخبر'' سباقة بالتعاون مع الزميلة ''الوطن'' في تسطير برنامج ضخم من الاستثمار، مكننا بعد عشريتين من التحكم الكلي في صناعة الجريدة، والاعتماد فقط على مدا خيل المبيعات والإشهار. مع العلم، أن ''الخبر'' من الجرائد القليلة جدا التي لا تتلقى أي إشهار من المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار. لم يتوقف اهتمام مالكي ''الخبر'' لضمان حصانة أوفر لاستقلاليتها بتوفير وسائل الطبع والتوزيع ومقر فاخر يليق بمكانتها، بل تجاوز الأعضاء المؤسسون كل هذا عندما قننوا بيع وانتقال الأسهم في القانون الأساسي للشركة؛ حيث تملك الشركة الأحقية الأولى في شراء الأسهم، وفي حالة تعذرها تنتقل الأحقية للمساهم. وهي حصانة منعت دخول أي متطفل خارج عن الأعضاء المؤسسين المهنيين. ومن هذا المنطلق يبقى الملاك هم وحدهم المستحوذين على رأسمال الشركة.. ما يجعل ''الخبر'' بحق توصف بالجريدة المستقلة. لا تسعنا هذه المساحة لسرد كل العوامل الداخلية والخارجية التي مكنت ''الخبر'' من تحقيق هذه النجاحات في فترة وجيزة، بالمقارنة مع جرائد أخرى عبر العالم، احتفلت بذكرى ميلادها المائة منذ سنوات.. لكن يبقى فقط أن نؤكد أن ''الخبر'' كانت أول صحيفة مستقلة تصدر بالعربية.. وأول صحيفة تحولت من الحجم الكبير إلى التابلوويد.. وأول صحيفة مع الزميلة الوطن تدخل الألوان الرباعية على صفحاتها.. وأول جريدة بشراكة مثالية مع الوطن تستثمر في أحدث المطابع.. وأول جريدة تقتني مقرا لائقا يتوفر على أحدث الوسائل والتجهيزات للعمل الصحفي المتطور بالمقاييس الدولية.. وكانت أول جريدة وصلت إلى سحب نصف مليون نسخة.. وهي اليوم تتربع على عرش الصحافة الجزائرية والعربية في مجمّع صحفي ضخم ينشط فيه ما لا يقل عن ثماني وحدات مستقلة (بين الطبع، التوزيع، الإشهار ويوميتي الخبر والخبر الرياضي) تعمل كلها بطرق شفافة وحديثة ونجاعة تجارية قلما عرفتها الجزائر في هذا المجال.. وهذا دون أن ننسى النشاط القيم الذي تجاوز حدود الوطن الذي تقوم به كل من أمانة جائزة عمر أورتيلان الدولية ومركز ''الخبر'' للدراسات. عندما عقدنا العزم أن تنجح ''الخبر'' ذات يوم من أول نوفمبر 1990 كان لنا ذلك. وينبغي أن نلفت انتباه كل محبي هذا العنوان، أن أكبر مكسب تحوز عليه هذه الجريدة هو قراؤها الأوفياء والمعلنون الذين نسجوا معنا علاقات تجارية تتسم بالثقة والمصلحة المتبادلة.. وفي النهاية أصبح هذا العنوان ملكا لكل الجزائريين.