عجزت المؤسسة العمومية الولائية لتسيير مراكز الردم التقني بعنابة عن فتح مركز الردم التقني بالبركة الزرقاء، منذ إنشائه قبل ثلاث سنوات بمبلغ إجمالي يقدر ب26 مليارا، بسبب رفض مجموعة من الأشخاص يقيمون رفقة عائلاتهم داخل المفرغة العمومية وفي محيطها، مغادرة المكان وفرض منطقهم وتحدي أية قوة تستعمل ضدهم. زيارتنا إلى المفرغة رفقة مفتش من مديرية البيئة وعدد من السكان المتضررين من الدخان والغازات السامة، مكنتنا من الإطلاع على العديد من الحقائق، خاصة أن وجودها في فضاء غابي مفتوح جعلها مقصد آلاف الشباب، الذين ينبشون على أي شيء يمكن بيعه في غياب مصالح الأمن والرقابة؛ من ذلك وجود آلاف الأطنان من اللحوم والمواد الفاسدة التي يتم نقلها من ميناء عنابة، لرفض مصالح الصحة دخولها، إلى المفرغة؛ حيث يتم دفنها بحضور مصالح الدرك، ثم يصب المازوت فوقها وتحرق، وفي اليوم الموالي تجدها تباع خلف سوق الحطاب وفي الأسواق الفوضوية، ويشتريها المواطن بأثمان مخفّضة دون علمه بالأضرار الكبيرة الناتجة عن أكلها أو استعمالها. آلاف الأبقار تزوّد المدينة بالحليب لا تغادر المفرغة مطلقا تتعدى خطورة أفعال هؤلاء إلى وجود أكثر من ألف بقرة ترعى في المفرغة، وتعيش هناك. ويقول مرافقونا إن أصحاب تلك المواشي يقومون بشراء الأبقار من السوق، ويشترطون عند ذلك أن تكون البقرة مسنة ونحيفة جدا وبثمن بخس، ثم يتم نقلها مباشرة إلى المفرغة، وتبقى هناك حوالي ثلاثة أشهر ترعى على الفضلات المنزلية، خاصة الأكياس البلاستيكية، وتتوجه في أوقات معينة من النهار إلى الغابة المحاذية حيث يتم حلبها. ويباع ذلك المنتوج إلى مجمعي الحليب ليتم توزيعه فيما بعد على بعض نقاط بيع هذه المادة بالمدينة، والباقي يوجه إلى ديوان الحليب، وأضافوا أن تلك الأبقار ترفض تناول أي علف أو حشيش؛ حيث تصبح بعد تلك المدة مختلفة جدا عما كانت عليه عند شرائها، ثم يعاد بيعها، وهكذا... أطفال لا يبالون عندما يعثرون على جثث عندما دخلنا المفرغة وجدنا أطفالا يتوزعون بين ملء أكياس ضخمة بمخلّفات البلاستيك والحديد والخردوات، وآخرون يجرون خلف الشاحنات القادمة إلى المفرغة علهم يعثرون على شيء بإمكانهم بيعه... حكايات هؤلاء تحمل طرائف عديدة منها أن أحدهم عثر على كيس به 37 مليونا كانت مبللة، من فئة ألف دينار، ومن دهشته أخذها إلى الكوخ الذي يقيم فيه، وقام بنشر تلك الأموال فوق سطح الكوخ، فأخذت الرياح جزءا منها.. في حين يروي آخرون أن أحد المقاولين المقيمين بمدينة عنابة وضع كيسا أسود به مبلغ 500 مليون سنتيم في مرأب منزله، وعندما مرت شاحنة البلدية أخرج أبناؤه أكياس القمامة لرميها، ومن بينها الكيس الأسود اعتقادا منهم أنها قمامة، وكانت دهشة والدهم كبيرة عندما لم يجد الكيس بعد وصوله إلى المنزل، فعرف أنه تم رميه في الشاحنة فثار واتجه صوب المفرغة ليلا، حينها وجد أن الشاحنة على أهبة الاستعداد لتفريغ الحمولة فأوقفها، طالبا من السائق العودة. وذلك بعد تدخل رئيس حظيرة البلدية، وبالفعل كان له ذلك فوجد الكيس، بمساعدة عمال النظافة دون أن يقدم لهم أية مكافأة. روايات هؤلاء الصغار أو الكبار كذلك لم تخل من تأكيدهم على العثور، في العديد من المرات على قطع ذهبية وأشياء ثمينة، كما يؤكدون أنهم يجدون، في بعض الأحيان جثثا متعفنة لأطفال حديثي الولادة، غير أنهم لا يبالون بها، على اعتبار أن همهم هو العثور على أي شيء يستطيعون أكله أو بيعه. وكان أحدهم يكلمنا وقد وجد تفاحة ملطخة بالأوساخ فأكلها دون أن يعير اهتماما للضرر الذي سيلحقه بصحته. السكان يصرّون على رفض أي حديث عن غلق المفرغة ترفض 19 عائلة تقيم في أكواخ قصديرية داخل المفرغة مغادرة المكان، خاصة أن عددا منها تحصل على سكنات ريفية بحجر الديس، في حين يؤكد المقيمون خارج محيط المفرغة أن المفرغة تعتبر مصدر رزقهم الوحيد، وأضافوا أنهم بفضلها أنجزوا سكناتهم التي منحت لهم في الثمانينات كأرضيات فقط، كما أنهم لا يجدون مكانا آخر تقتات منه أبقارهم، وأضافوا أنه لأجل ذلك يتحملون الدخان الكثيف الذي يغطي سماء المنطقة في مختلف أوقات النهار والليل جراء الغازات المحترقة، رافضين أي حديث عن غلق المفرغة. وفي السياق ذلك، اشتكى سكان كل من حجر الديس، وعين جبارة ووادي زياد من الآثار الوخيمة للدخان والروائح الكريهة على حياتهم اليومية؛ حيث انتشرت في صفوفهم العديد من الأمراض مثل الربو، وأمراض الجلد والسرطان، مؤكدين أنهم راسلوا جميع الجهات المسؤولة لوقف هذا الخطر الذي يتهددهم من يوم لآخر. مؤسسة تسيير المفارغ ترفض فتح مركز الردم منذ ثلاث سنوات من جهته، رفض مدير المؤسسة العمومية لتسيير مفارغ عنابة فتح مركز الردم إلى غاية ترحيل جميع السكان القاطنين داخل المفرغة، حتى يتمكن من تحويل المفرغة المتواجدة على مساحة 29 هكتارا إلى فضاء غابي، وأضاف أن مفرغة البركة الزرقاء أنشئت سنة 1992؛ حيث تستقبل 550 طن من النفايات يوميا من بلديات عنابة والبوني والحجار وسيدي عمار والعلمة والشرفة، تنقلها 100 شاحنة ذات أحجام مختلفة لا تتوقف ليلا ونهارا. وأكد أنه تم الانتهاء منذ ثلاث سنوات من إنجاز مركز الردم بغلاف مالي وصل 26 مليارا بجميع تجهيزاته، وبمقاييس تقنية عالمية. مضيفا أن المؤسسة تنتظر، حاليا، مرسوم تحويل الوثائق الموجودة على مستوى مديرية أملاك الدولة. موازاة مع ذلك قامت وزارة التهيئة العمرانية والبيئة بالإعلان عن مناقصة دولية ووطنية لإنجاز أشغال إعادة تهيئة المفرغة. وأضاف أن المؤسسة تشرف أيضا على تسيير أربعة مراكز ردم أخرى لها نفس المواصفات التقنية؛ وبطاقة استيعاب أقل في كل من عين الباردة وبرحال وشطايبي وسيرايدي.