لا شك أن الإحراج الذي تسببه بعض المواقف لمسؤولينا، هو إحراج محدود الأثر في الزمان والمكان، بدليل أن الظواهر المتسببة في هذا الإحراج تستمر بعد ذلك وتزداد استفحالا في بعض الأحيان ويحضرني في هذا المجال مثال حول طريقة تسييرنا للنفايات الصلبة وهي الطريقة التي حاول معرفة آلياتها السفير البلجيكي في الجزائر عند مرافقته لوزير التهيئة العمرانية والبيئة في زيارته إلى ولاية معسكر، في الثلاثي الأول من العام الجاري ولأن مثل هذه الآليات لا وجود لها، أو هي بدائية وغير متحكم فيها فقد أحرج التساؤل عنها السيد الوزير الذي فضل الحديث كما هو مأمول ومنتظر في المستقبل في معرض جوابه عن سؤال ضيفه بدلا من الحديث عن الواقع. وكان من المفروض التكفل بهذا المشكل مباشرة بعد هذا الموقف من خلال التكفل الجدي والمنهجي بتسيير النفايات الصلبة بالمنطقة غير أن الأرقام المعلن عنها فيما يخص المفارغ الفوضوية بولاية معسكر تؤكد أن المواطنين لم يضبطوا بعد سلوكهم بما يؤشر على نجاح أي نظام لتسيير النفايات المنزلية، إلى درجة أن مسؤولي بعض البلديات أصبحوا يخشون وضع أية حاويات إضافية لجمع القمامة حتى لا تتحول الحاوية وما جاورها إلى مفرغة فوضوية، تضاف إلى مئات المفارغ من هذا النوع المنتشرة في ربوع الولاية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مصلحة علم الأوبئة والطب الوقائى بمدينة معسكر والتي يمتد إختصاصها على مستوى 8 بلديات فقط قد أحصت خلال شهر جانفي من العام الجاري 29 مفرغة فوضوية وهو العدد الذي ارتفع إلى 32 ثم إلى 35 مفرغة من هذا النوع خلال الشهرين المواليين. أما إذا عدنا إلى السنوات الخمس الأخيرة فمن 89 مفرغة فوضوية تم إحصاؤها عام 2005 أصبحت العام الماضي في حدود 325 مفرغة فوضوية بينما الذروة كانت عام 2007 ب 391 مفرغة من هذا النوع! كل هذا يحدث في خضم الحديث عن مشروع لإنجاز مركز للردم التقني للنفايات الصلبة والهامدة لبلدية الكرط في اطار التعاون الجزائري البلجيكي، وكانت جريدة »الجمهورية« أول من أعلن عن هذا المشروع عام 2002 عندما كان التمويل كله على عاتق الطرف البلجيكي في حدود 11 مليون يورو ليصبح بعد ثمان سنوات تمويلا مشتركا تساهم فيه بلجيكا ب 9 ملايين يورو والجزائر ب 7 ملايين يورو. فكانت ثمان سنوات من التأخر إستهلكت في البحث عن الأرضية الملائمة للمشروع وفي إعداد المعطيات التقنية المتعلقة بالنفايات وحجمها في المنطقة، كما كانت محاولات لإنشاء مؤسسات خاصة لجمع القمامات وأخرى لفرزها لكنها كلها باءت بالفشل الذريع بسبب الفراغ القانوني وعدم انضباط المواطنين. وكان في الإمكان استغلال هذه السنوات بالتركيز على الأعمال التي من شأنها تغيير سلوك المواطنين وتفرض عليهم التعامل مع قمامتهم بطريقة أكثر وعيا سواء من حيث الحرص على الفرز الأولي، أو من حيث الإمتناع عن رميها بعشوائية وخارج الأوقات المناسبة، وبشكل يسهل على مصالح النظافة جمعها فلو تحققت فقط هذه الخطوة البدائية في نظام تسيير النفايات الصلبة لأمكنت الإجابة عن تساؤل »السفير البلجيكي« دون حرج يذكر. إلى حد الآن لم يظهر أي مؤشر على أن البلديات شرعت في اعتماد آلية منهجية في تسيير نفاياتها لتتماشى مع مركز الردم التقني الذي سيكتمل إنجازه خلال أربع سنوات وسيشتمل على عدة عمليات منها إعداد مخطط شامل ومندمج لتسيير النفايات المنزلية والصلبة التي تنتجها 18 بلدية موزعة على 8 دوائر ويسكنها 48.5 بالمائة من إجمالي سكان الولاية، ومنها دراسات مختلفة تتعلق بإنجاز مراكز للجمع والفرز وسحق النفايات ومنها أيضا عمليات اقتناء التجهيزات الضرورية لهذه المراكز، فضلا عن إعادة تهيئة المفارغ العمومية الموجودة على مستوى البلديات المعنية بالمشروع الذي اختيرت بلدية الكرط لإحتضانه على مساحة اجمالية تقدر ب 30 هكتارا وتتسع لردم 4.8 مليون متر مكعب من النفايات المنزلية والهامدة. هذا وفي حين يلغنا أن الطرف البلجيكي ممثلا في الوكالة البلجيكية فقد بادرت منذ الخامس جويلية الجاري بإجراءات البحث عن مساعد إداري ومالي يقيم بمعسكر بهدف توظيفه لمتابعة المشروع عن كثب محليا فإنه لم يبلغنا ما قام به الطرف الجزائري في هذا المجال إلى حد الآن. تجدر الإشارة في الأخير إلى أن السلطات العمومية وزيادة على مركز الردم التقني ببلدية الكرط الذي سيعالج قرابة 107 آلاف طن من النفايات سنويا ومحطة تحويل النفايات بتيغنيف بطاقة تحويل 92 طنا سنويا، فإنها قد برمجت عدة مشاريع أخرى لتحسين تسيير النفايات الحضرية تخص كلها دراسة وإنجاز وتهيئة مفارغ مراقبة بكل من واد الأبطال أكثر من 33 ألف طن سنويا، والمحمدية (63.7 ألف طن)، سيڤ (54.7 طن)، زهانة (13 ألف طن)، حسين (6.4 آلاف طن) ووادي تاغية (16.2 ألف طن). علما أن ولاية معسكر تنتج كل عام حوالي 374700 طن من النفايات بمعدل كيلو وربع يوميا لكل نسمة.