حينما نستحضر في إحدى المفارقات الجزائرية الجديدة خبر إلغاء مسابقات مهنية في قطاع التربية بسبب الغش في عدد من الولايات، لا يمكن إلا أن تستوقفنا هذه النقطة بالذات بالنظر إلى حساسية موقع المربي الذي ينظر إليه على أساس أنه القدوة والنموذج، لكن في زمن غاب فيه النموذج واعتمدت الرداءة كأساس للتعامل، فإن البحث عن الداء لن يكون في الموطن أو المكان الذي يتم البحث عنه فيه، في زمن أضحى فيه الإنسان الجزائري، على حد قول حسين حليمي، كأنبوب هضم أو كعيب من عيوب الإحصاء. لقد أخطأ المتنوّرون عندنا حينما اعتقدوا أن صرف الملايير على قطاع التربية والتعليم هو الحل السحري لتطوير القطاع الذي يعتمد نظرية كمية صرفة، في وقت يعمد هؤلاء المتنورون إلى إرسال أبنائهم إلى مواطن أخرى فيما وراء البحار، لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم بأن النظرة الكمية لن تطبق إلا على العوام من البشر ليس إلا. أما النخبة وزبدة المجتمع في نظرهم، فإن مرجعيتهم انتقائية في باريس ولندن وواشنطن، ولا مجال للمنظومة التربوية الجزائرية إلا للعوام من البشر. لقد سبق لألبرت أينشتاين أن قال يوما لا يمكننا حل مشكلة باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها، ولكننا نصر على تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت منذ حقبات من الزمن. ولعل المتنورين عندنا يعتقدون بأنه لا مناص من جعل البعض فئران تجارب لعل وعسى نصل إلى الحل السحري يوما بمنطق نظرية المحاولة والخطأ.. ولكننا نقوم بإعادة استنساخ الخطأ تلو الخطأ لتكون المحصلة في النهاية أن الرداءة تعيد إنتاج نفسها. لقد قال العقلاء يوما: لا تكن كقمة الجبل ترى الناس صغاراً ويراها الناس صغيرة.. فمنطق الاستعلاء والاختزال الذي يتبناه المتنورون الذين أكثر ما يمقتون، حسب قول مالك ابن نبي، ''مقلقي النوم العام''، يجعلنا نتأكد بأن هؤلاء في واد والأغلبية في واد آخر.. فكيف لنا أن نحدد بعدها القدوة والنموذج، وكيف نحدد معالم طريق لا نجده في بيان ولا كتاب، بل لا نجده حتى في صريح القول الذي يطلق العنان على كلام معسول يكذبه الواقع يوميا.. لقد خصصت الدولة الجزائرية 6 ملايير دولار لميزانية التعليم في قانون المالية 2011، مقابل حوالي 5,5 مليار دولار خلال القانون السابق، لكن ما الذي تغيّر في الجوهر خلال العشريتين الماضيتين، وما هي طبيعة المشاكل التي سوّيت فعليا في الميدان، ولماذا تتكرر نفس المشاكل الجوهرية التي تطرح دوريا دون حل، ثم لماذا لم يغيّر المتنوّرون من نظرتهم إزاء هذه المنظومة ويفضلون إرسال أنبائهم للدراسة فيما وراء البحار. لقد قال العقلاء يوما: العلم خير من المال، لأن المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه. ولكننا نحن أدركنا أن اكتناز المال أفضل بكثير من تحصيل العلم، وأن إنفاق المال في غير موضعه أفضل من جعله في خدمة العلم والفضيلة، في زمن تتغير فيه المعارف الإنسانية كل سبع سنوات ونبقى نحن في ذيل الأمم.