من حق الجزائر أن تفتخر بالإطار التنظيمي لتجربة التحكم في الطاقة تؤكد مديرة البحث والبناء بوزارة السكن والعمران السيدة صليحة أيت مصباح في حوارها مع "المساء" انه يحق للجزائر التي تباشر تجربة نموذجية لانجاز سكنات ذات فعالية طاقوية مرتفعة في أن تفتخر لكونها تنفرد وسط جيرانها في امتلاك إطار تشريعي وتنظيمي مميز حول ترشيد استعمال الطاقة، وذلك بالرغم من وفرتها على الموارد الطاقوية المتعددة، وتكشف لنا المتحدثة بخصوص المشروع النموذجي الجاري تجسيده على مستوى 11 ولاية بأن التكلفة الإضافية في بناء هذه السكنات، تقدر في مجملها بنحو 320 ألف دينار، لكن الغاية المتوخاة من المشروع تعد اكبر من تكلفته باعتبارها تشمل بلوغ مستوى 40 بالمائة من اقتصاد الطاقة المستعملة. - كيف يمكننا تقديم السكنات ذات الفعالية الطاقوية العالية؟ *قبل الحديث عن هذه التجربة الأولى من نوعها لإنجاز مشروع السكنات المقتصدة للطاقة لابد أن نتحدث عن الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يؤطر هذه التجربة والذي يحق للجزائر أن تفتخر به، لكونها الدولة الوحيدة من بين جيرانها التي تملك الإطار التشريعي الذي ينظم هذا النوع من المشاريع، وأقول نفتخر به لأنه سهل عليها العمل في هذا المجال، ويتشكل هذا الإطار التشريعي، بالأساس من القانون الخاص بالتحكم في الطاقة، ومنه انبثقت أربع مراسيم تنفيذية تكمل هذا الإطار منها المرسوم التنفيذي الذي يتعلق بالبرنامج الوطني للتحكم في الطاقة، والمرسوم الوطني حول الصندوق الوطني لتمويل برامج التحكم في الطاقة، والمرسوم التنفيذي المتعلق بالتنظيم الحراري في البنايات الجديدة، علاوة على المرسوم التنفيذي الخاص بكيفية إعداد البرنامج الوطني للتحكم في الطاقة، وعندما نقرأ هذه النصوص نلاحظ كيف يمكن لكل القطاعات ان تندمج في هذا الإطار للقيام بمشاريع خاصة بها. وبناء على هذا الإطار وفي سياق العمل الوزاري المشترك قامت وزارة السكن والعمران بالتعاون مع وزارة الطاقة والمناجم بتسجيل مشروع نموذجي لانجاز 600 وحدة سكنية، وتم التوقيع على اتفاقية بين الهيئتين ممثلتين في وكالة ترشيد استعمال الطاقة ومديرية البحث والدراسات في البناء، وتم توزيع ال600 وحدة سكنية على بعض الولايات التي تعبر عن خصوصيات مميزة ومتباينة، واختيرت 11 ولاية، على أساس هذه الخصوصيات إضافة على توفر الأرضيات. - لماذا لم تقم التجربة على اختيار موقع واحد لمشروع نموذجي واحد؟ *مفهوم المشروع النموذجي يقتضي ان نختار عدة مواقع وعدة خصوصيات مناخية، فمن أساسيات التحكم في الطاقة أن لا يركز على موقع مناخي واحد، لأن المناخ يشكل العامل الرئيسي في التحكم في الطاقة، وهذا العامل في حد ذاته يشمل عدة خصوصيات منها درجات الحرارة القصوى والدنيا، الرياح المسيطرة، درجة الرطوبة وغيرها. - كيف يتم التحكم في الطاقة في البناء ؟ *في مجال التصميم نراعي طبيعة الجدران والسقف والفتوحات، فمثلا في تمنراست نراعي توفير الفتوحات للتهوية، واتجاه أشعة الشمس ومعابر الرياح، ولهذا قمنا بتوزيع المشروع على عدة ولايات. - إذن يمكن أن نتحدث عن عدة مشاريع وليس مشروعا نموذجيا واحدا؟ *في الحقيقة إن المقصود من هذا المشروع الذي أطلقنا عليه تسمية مشروع نموذجي هو تعميمه على الولاية التي اجري عليه إضافة إلى الولايات المجاورة لها والتي تتميز بنفس الخصوصيات، وبمجرد معرفة الولايات التي تم اختيارها نفهم بأن لكل ولاية مختارة خصوصية مميزة، وهي تجربة نستمد منها العبرة والخبرة حول كيفية إجراء الحسابات والتصميم والانجاز. - كيف جاءت فكرة إنشاء هذا المشروع النموذجي ؟ * إذا تكلمنا عن مسألة اقتصاد الطاقة فهي موضوع اخذ بعدا عالميا، وإن الدول تتسابق لإجراء مشاريع للطاقة المتجددة، ونحن في الجزائر حتى وان كانت الطاقة مدعمة من قبل الدولة لكن علينا مراعاة محدودية الطاقة في الزمن وضرورة التفكير في التكيف مع البرامج العالمية لإنشاء مشاريع مستديمة، تخدم الأجيال المتعاقبة ومن المفروض ان نكون سباقين في هذا المجال والفكرة تفرض نفسها بنفسها على الساحة العالمية وعلينا الاندماج فيها. ووزارة السكن والعمران تسعى من خلال هذا المشروع أيضا إلى تعميم الحلول المبسطة والبسيطة، وحتى اعتماد الحلول المكلفة نوعا ما تستدعي منا الذهاب إلى التجهيزات المعتمدة لدينا. ومن الحلول المبسطة مثلا اعتماد جدران بأشكال تحول دخول أشعة الشمس وبالتالي تقلص من الحرارة التي تدخل على البيت وأيضا اعتماد ألوان فاتحة، أيضا يقترح المهندسون المعماريون توجيه وضعية تواجد غرف النوم وغرف الاستقبال على الجهة التي تمثل مسار أشعة الشمس، مثلها مثل مراعاة مايعرف في لغة المختصين بالجسور الحرارية التي تتمثل في نقطة تقاطع أعمدة البناية مع جدرانها علاوة على استعمال النوافد بزجاج مزدوج وهي تقنية عازلة للحرارة، وهي حلول تبدو في الوهلة الأولى بديهية لكنها تستدعي الاهتمام الدقيق، كما أن هناك حلولا أخرى تهتم بها قطاعات أخرى. لا يكفي أن نتحدث عن هذه التقنيات وننفذها في الميدان وإنما لابد من متابعة جدوى هذه المشاريع، ولابد من متابعة هذا المسعى والسهر على تحقيق أهدافه من خلال مشاركة مختلف الهيئات والجهات، لا سيما من خلال ضبط قائمة المعدات والتجهيزات الكهرومنزلية المقتصدة للطاقة، ولذلك نأمل في مساهمة مختلف القطاعات الأخرى في تحقيق هذا الهدف. غير أنه بالنسبة لهذا المشروع النموذجي أخذنا احتياطاتنا وراعينا ضرورة متابعة جدوى المشروع من خلال تكليف المركز الوطني للدراسات والأبحاث المتكاملة في البناء بمهام متابعة وحساب مدى نجاعة المشروع النموذجي، كما اتفقنا مع دواوين الترقية والتسيير العقارية باعتبارها المرقي الذي يشرف على هذه السكنات النموذجية ذات الطابع الاجتماعي الإيجاري، بتحسيس المستفيدين من هذه الوحدات السكنية بأهمية المساهمة في إنجاح المشروع ودعوتهم إلى تسهيل مهمة خبراء المركز المذكور في القيام بالمتابعة الميدانية لقياس حجم الطاقة المقتصدة. - متى يمكن أن نقول بأن هذا المشروع النموذجي قد نجح؟ *هدفنا هو بلوغ أكبر نسبة مقتصدة من الطاقة المحددة وفق المعايير الدولية ب40 بالمائة، لكننا إذا وصلنا في بداية استغلال المشروع إلى 20 أو 30 بالمائة فهذا سيكون انجازا كبيرا في حد ذاته، فإذا وصلنا تدريجيا إلى 30 بالمائة بعد 2011، فسيكون ذلك مكسبا نشجع دعمه والاستمرار فيه لتحسينه في السنوات المستقبلية. وفي إطار التوعية بأهمية المشروع تعتزم دائرة الأبحاث والدراسات التابعة للوزارة تنظيم ملتقيات على مستوى الولايات لتحسيس الفنيين بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأهداف المتوخاة من المشروع، لاسيما وأن الإمكانيات اللازمة لتجسيد هذه الأهداف لا تفتقد إليها الجزائر. - لماذا توجهتم مباشرة للسكن فيما كان بإمكانكم القيام بمشروع نموذجي يخص التجهيزات العمومية؟ *عمق الهدف المتوخى وأهمية تحقيق نتائج أوسع للتجربة، استدعت منا التوجه إلى الوحدات السكنية بالرغم من أن الهدف الأساسي لنا هو البناية بمفهومها الواسع. وبإمكاننا إدراج تعميم التجربة على التجهيزات العمومية فيما بعد. - ماهي تكلفة هذا المشروع النموذجي؟ *بالنسبة للصندوق الوطني للتحكم في الطاقة، فإن تمويله للمشروع يصل إلى حدود 15 بالمائة من التكلفة الإجمالية، وهي الزيادة المفترضة في القيمة المعتادة للسكن التقليدي، والتي تكلف 0,5 بالمائة من القيمة المبدئية للسكن بالنسبة لمكاتب الدراسات وهو مايمثل 10500 دينار، و45 ألف دينار للمتر المربع بالنسبة لعملية الإنجاز، وهو ما يعطينا زيادة إجمالية بنحو 320 ألف دينار على القيمة المبدئية لكلفة السكن، وهي القيمة التي يتكفل بتمويلها الصندوق الوطني للتحكم في الطاقة. - هل فكرتم من الآن في كيفية تعميم هذا النموذج مع إمكانية اقتراحه على المواطن في إطار البناء الذاتي؟ *في الحقيقة لا نريد استباق الأمور لكننا نأمل في ان يأخذ المواطن بنفسه عامل اقتصاد الطاقة في البناء بعين الاعتبار ويشجع نفسه بنفسه، والمواطن لا يؤمن إلا بما يراه ولذلك هدفنا الأول هو ضمان نجاح هذه التجربة، من المؤكد أن يأخذها المواطن فيما بعد في مشاريعه الخاصة. - إلى أين وصلت عملية تجسيد هذا المشروع النموذجي؟ * السكنات هي الآن في طور الدراسات وتنتظر الموافقة من الخبراء للانطلاق في الانجاز وهذه الموافقة تأتي بعد عملية معاينة ودراسة دقيقة، مع الإشارة إلى أن هذه السكنات المختارة ليست في مواقع منفصلة وإنما تندرج في إطار مشاريع جارية وتم اختيار العدد المقرر منها لتطبق عليها التجربة، ويجدر بنا التذكير بأن الاتفاقية المتعلقة بهذا المشروع النموذجي تم التوقيع عليه في 14 ماي 2009 بين المدير العام لوكالة "أبرو" ومدراء الدواوين العقارية المعنية، بحضور وزيري القطاعين، وتم قبلها الاتفاق على دفتر الشروط وإعلان عن المسابقة الهندسية لاختيار مكتب الدراسات، علاوة على تنصيب لجان تحكيم متخصصة، فيما أخذت الوكالة على عاتقها مهمة تعيين خبير للمرافقة التقنية لمكاتب الدراسات، وهي تعمل أيضا على القيام بحملات تحسيسية، حول أعمال بسيطة تسمح بتوفير الكثير، مثل حملاتها المتصلة باستعمال المصباح المقتصد للطاقة، وتجنب تقريب الثلاجة إلى الطباخة.. ويبقى أملنا الوحيد هو أن تنتعش السوق الوطنية في مجال مواد البناء المنتجة محليا حتى نضمن تنوع هذه المواد ووفرتها لتجسيد هذه المشاريع النموذجية الرائدة، لاسيما وأن الجزائر تتوفر على الطاقات والموارد البشرية القادرة على تجسيد مثل هذه المشاريع ورفع المزيد من التحديات.