جيجل..ضمان الخدمة على مدار 24 ساعة بميناء جن جن    الهلال الأحمر الجزائري يطلق برنامجه التضامني الخاص بشهر رمضان    وزارة الثقافة تكشف عن برنامجها خلال شهر رمضان    وفد من كلية الدفاع الوطني بأبوجا في زيارة الى مقر مجلس الأمة    طاقة: السيد عرقاب يستقبل وفدا من شركة "إيني" الإيطالية    بلمهدي : المساجد تلعب دورًا كبيرًا في نشر الخطاب البناء والأخلاقي    العرباوي يتحادث مع نظيره الموريتاني    زروقي: الجزائر تبقى الموقع المثالي لتنصيب الاستثمارات الخاصةبمراكز البيانات الضخمة    الاحتلال المغربي يواصل حملته القمعية الممنهجة بحق الحقوقيين الصحراويين    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة): إعطاء إشارة انطلاق الطبعة الرابعة سهرة اليوم بالقاعة البيضوية بالعاصمة    "التصوف, جوهر الدين ومقام الإحسان" موضوع الطبعة ال17 للدروس المحمدية بالزاوية البلقايدية    العاب القوى: العداءة الجزائرية لبنى بن حاجة تحسن رقمها القياسي الوطني بفرجينيا الأمريكية    الأونروا تؤكد استمرارها في تقديم الخدمات الصحية لسكان غزة    ترقب سقوط أمطار على عدة ولايات غرب البلاد يوم الثلاثاء    الحكومة الفلسطينية تحذر من مجاعة في غزة بعد إغلاق الاحتلال الصهيوني لكافة المعابر    تجارة إلكترونية: ضرورة اتخاذ تدابيرلضمان سرية وسلامة أمن المعالجات في عمليات التسويق    توقيف 3 أشخاص مشتبه فيه و حجز 19800 قرصا مهلوسا    غوتيريش يدعو إلى تجنب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    مليونًا و24 ألف مكتتب من المواطنين في برنامج عدل 3    كانت تعمل بيومية الجمهورية بوهران    يخص الطورين من التعليم المتوسط والثانوي    خنشلة تزامنا و شهر رمضان المبارك    رأي في الإصلاح التربوي.!؟    بمشاركة أكثر من 50 عارضا    حسب بيان صادر عن الصندوق الوطني للتقاعد    تبادل الخبرات في مجال السياسات الاقتصادية    روتايو.. الحقد على الجزائر عنوان حساباته السياسية    وزارة الشؤون الدينية تطلق خدمة الفتوى    تدابير إضافية لمضاعفة الصادرات خارج المحروقات    البليدة.. الانطلاق في تجسيد برنامج رمضاني متنوع    أوغندا : تسجل ثاني وفاة بفيروس "إيبولا"    شهر الفرح والتكافل والعبادة    دعوة الحركة التضامنية إلى مرافقة الشعب الصحراوي في نضاله العادل    إثراء المحتوى الاقتصادي للشراكة الاستراتيجية الشاملة    المجمّع الجزائري للنقل البحري يرفع رأسماله    السياسة العقابية الوطنية مبنية على التعليم والتشغيل    شوربة "المقطّفة" و"القطايف" لاستقبال الضيف الكريم    تراجع مقلق لمستوى حاج موسى قبل قمّتي بوتسوانا والموزمبيق    غربال وقاموح في تربص تحكيمي في كوت ديفوار    قندوسي جاهز لتعويض زروقي في المنتخب الوطني    "بشطارزي" يفتح أبوابه لعروض متميزة    عبد الباسط بن خليفة سعيد بمشاركته في "معاوية"    عسلي وحدوش في "الرباعة"    صلاة التراويح    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    سُنّة تخلى عنها الشباب رغم بركتها ومزاياها الكبيرة    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    فيلم فانون يفوز بجائزة أسبوع النقد    ذهب الظمأ وابتلت العروق    كيف تحارب المعصية بالصيام؟    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    صناعة صيدلانية: بحث سبل تعزيز ولوج المنتجين الجزائريين للأسواق الافريقية    الجمعية العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة اليد: فترة ايداع ملفات الترشح من 1 الى 3 مارس    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سارتر... بين الخيانة والشرف
نشر في الخبر يوم 28 - 01 - 2011

يروي إدوارد سعيد تفاصيل لقائه بجون بول سارتر سنة ,1979 بمشاعر متناقضة، هي مزيج من الإعجاب والافتنان والعتاب وخيبة الأمل. وهو أمر طبيعي في علاقة عملاقين من عمالقة الفكر الإنساني المعاصر، خاصة حين يتعلق الأمر بالجدل حول ماهيّة المثقف وحدود حريته والتزامه بقضايا عصره الساخنة. وهي القضايا التي خاض فيها سارتر طيلة خمسين سنة في مؤلفات عديدة (روايات، مسرح، فلسفة، مقالات صحفية). إعجاب إدوارد سعيد بسارتر لم يكن من قبيل الموضة الرائجة، ولم يكن كذلك محاكاة للفلاسفة الجدد الذين استحوذوا على وسائل الإعلام بحماستهم المناهضة للشيوعية أو فلاسفة ما بعد البنيوية ونرجسيتهم المفرطة. فهؤلاء وأولئك، كما يقول ادوارد سعيد، ''لم يكن يهّمهم في سارتر إلا ما يخدشه في شعبوّيته ومواقفه السياسية''.
كان إدوارد سعيد ينتمي إلى جيل من المثقفين العرب خرج بعد نكسة 1967 مجروحا في كرامته، يبحث يائسا عن أجوبة عن الأسئلة المؤرّقة التي عذّبت الوعي العربي. وكان ذلك الجيل يعتقد أن مدّ الجسور مع المثقفين في الغرب يساعد على تجاوز هذه الأزمة. وكان سارتر من هؤلاء. ولم يكن إدوارد سعيد يخفي إعجابه بعمق تفكير سارتر وسخائه وبشجاعة مواقفه والنزعة الإنسانية لفلسفته. كان يعتبره بطلا من أبطال العصر الفكريين. لم يقدّسه، بالطبع، ولم يؤلهه كما فعل الكثير. وإنما كان يثمّن تثمينا عاليا موقفه المناهض للحرب الأمريكية على فيتنام، ووقوفه إلى جانب كاسترو في كتابه ''عاصفة على السكر''. وهو الكتاب الذي أثارت نبرته المناهضة لأمريكا ضجة كبيرة، ويعتبر خروجه مع الطلبة في سنة 1968 أجلى مظهر من مظاهر الالتزام، ورفضه لجائزة نوبل شجاعة أدبية نادرة، لكن أهم محطة سجلّها إدوارد سعيد لسارتر، كمثقف ملتزم بقضايا عصره، هو تأييده للجزائريين أثناء حرب التحرير.
ففي 5 سبتمبر 1960مثل أمام المحكمة العسكرية مناضلو ''شبكة جونسون'' المعروفون بحملة حقائب جبهة التحرير الوطني، وفي اليوم نفسه وقّعت مجموعة من المثقفين عريضة تدعو إلى رفض حمل السلاح ضد الشعب الجزائري. وكان سارتر ورفيقة دربه سيمون دي بوفوار من بين الموقّعين. وكان الأمر بالنسبة لسارتر والموقّعين على البيان، الذين اتهموا بالخيانة، هو قضية شرف وكرامة. وكان موقفهم نابعا من تحليل رزين للوضعية في الجزائر وفرنسا في وقت انفلات دوّامة العنف الذي كان يقف وراءها غلاّة الاستعمار وتمترس اليسار في مواقع انتهازية حذرة. ويعترف سارتر نفسه أن الفرنسيين الذين ساعدوا جبهة التحرير الوطني إنما قاموا بذلك مدفوعين ليس فقط بشعور من التضامن مع شعب مضطهد، وإنما فعلوا ذلك لمصلحتهم ولصالح حريّتهم ومستقبلهم. وهم بذلك يناضلون من أجل إنقاذ الديمقراطية في فرنسا نفسها.
ويختم سارتر قائلا ''لو أن جونسون طلب منيّ حمل حقائب، أو إيواء مناضلين جزائريين، وكنت قادرا على فعل ذلك دون أن ألحق ضررا بهم، لقمت بذلك دون ترّدد''. هذا الموقف الذي وقفه سارتر باسم الحقيقة والأخلاق ساعد على تجاوز الأحقاد والكراهية بين الشعبين الفرنسي والجزائري. وهو نفس الموقف الذي كان إدوارد سعيد ومثقفون عرب آخرون يريدون انتزاعه من سارتر لصالح القضية الفلسطينية، انطلاقا من مبدأ أن القضايا العادلة عادلة في كلّ مكان وزمان. لكن سارتر لم يغيّر موقفه من إسرائيل الذي كان قد عبّر عنه بوضوح سنة 1964 في كتابه ''تأملات في المسألة اليهودية'' والذي يمكن تلخيصه في ''أن اليهودي يصبح يهوديا لأن الآخرين ينظرون إليه على أنه يهودي، لذا من الضروري بمكان إنشاء دولة يهودية تضّم في فلكها كافة المنبوذين المتشردين من اليهود''.
خاب سعي إدوارد سعيد، وبإحساس من المرارة والسخط لاحظ أن سارتر وميشال فوكو، خلافا لجون جيني وجون دولوز، لم يتحرّرا من تأثير اللوبي الفكري الصهيوني، وأن سارتر على وجه الخصوص بقيّ متشبثا بمواقفه الفلسفية الصهيونية الأساسية.
كتب سارتر عن عار فرنسا في الجزائر، لكنه رفض الحديث عن عار إسرائيل في فلسطين، هل كان يخشى أن يتهم بمعاداة السامية؟ هل كان يشعر بالذنب أمام المحرقة؟هل كان يرفض الاعتراف بالفلسطينيين كضحايا مكافحين ضد الظلم الإسرائيلي؟
يعترف إدوارد سعيد بعجزه عن الإجابة، ويضيف بأن سارتر في شيخوخته ظلّ كما كان في ماضيه مصدر خيبة بالنسبة لكلّ عربي باستثناء الجزائريين. بعد عام من لقائهما، توّفي جون بول سارتر، ورغم خيبة أمل إدوارد سعيد فيه، ورغم عتابه الرقيق له على مواقفه المتذبذبة، إلا أنه بكاه بدموع حارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.