تحتفل نساء المعمورة اليوم، ومنهن الجزائريات بعيدهن العالمي، فيتبادلن الهدايا ويغرقن في عبق الورود، ويتذكر الرجال نصفهم الثاني، لكن بعيدا عن جو المحتفلات، تقف على الهامش جزائريات قُتلت فيهن أنوثتهن، ولا يتذكرن إلا يومين من سائر أيام السنة، ساعة ميلاد أبنائهن، ويوم كتابة أسمائهم في سجل المفقودين. عيدي يوم يأتيني خير عن ابني يمر الثامن من مارس ككل سنة، على أمهات المفقودين في المأساة الوطنية مرور الكرام، فلم يبق لهن من صفة الأنثى إلا ذكرى منحهن الحياة لأبناء فقدناهن دون وداع، ولازلنا ينتظرن منذ ما يقارب العقدين خبرا عن غائب عائد، أو قبرا يبكين أمامه فقيدهن. وهن جزائريات سقطن من أجندة الجمعيات النسوية راعية حقوق المرأة، على غرار السيدتين بوشرف فاطمة الزهراء وشرقيت جقجيقة. ابتسمت الخالة فاطمة الزهراء وأنا أسألها عن احتفالها بعيدها السنوي، ابتسامة توارت خلف حزن عبثا حاولت أن تخفيه عن ناظرينا، التفت إلى صورة ابنها التي أخذت لها مكانا بين المئات من صور المفقودين غطت الجدران الأربعة للقاعة، حيث جلسنا في مقر جمعية أهالي المفقودين. تقول أم رياض'' أيامي كلها متشابهة فعقارب الساعة توقفت منذ فقدان ابني رياض وهو في ربيعه الواحد والعشرين ذات يوم من سنة ,2005 من يومها نسيت طعم الفرح والسعادة ونسيت حتى أنني امرأة. ونحن نحدثها بدا جليا أن الأنوثة آخر اهتمامات الخالة فاطمة الزهراء، وهي التي ترملت في الرابعة والعشرين من عمرها، ولم تمض إلا خمس سنوات إلى جانب زوجها الراحل، الذي تركها تجابه الحياة رفقة ستة أبناء أكبرهما توأم. فالمرآة معشوقة المرأة الأولى كما يقال، ليست أبدا كذلك بالنسبة إليها، فلا تتقاطع معها إلا وهي تتوضأ لصلاتها، لتذكرها التجاعيد التي رسمت ملامحها بعدد السنوات التي فارقت فيها فلذة كبدها. تواصل محدثتنا: ''عبثا أحاول أن أخفي حزني عن باقي أبنائي، كانت غبطتي بزفافهم دائما ناقصة، أخجل حتى من ارتداء الملابس الجديدة'' تكشف عن شعرها الأبيض من تحت خمارها لتواصل ''أنظري حتى شعري الذي أتى عليه البياض أعجز عن تغيير لونه، ولن يكون ذلك قبل أن يأتيني خبر عن ابني...إنه يوم عيدي''. بنات جنسنا نسيننا في عيدنا وطول أيام السنة وهي تتحدث إلينا كانت شريكتها في الوجع، الخالة جقجيقة تكفكف دموعها وهي تستمع لحديث قلب عليها مواجع تقضّ مضجعها منذ 18 عاما، عندما أُخرج ابنها حكيم من فراشه إلى المجهول وهو يستعد لولوج قفص الزوجية. تقول أم حكيم ''الثامن من مارس لا يذكّرنا إلا بكوننا أمهات موجوعات، لسنا ثكالى نبكي أبنائنا، ولا ندري إن كانوا أحياء نقتفي أثرهم، .. نحن جزائريات سقطنا حتى من أجندة الجمعيات النسوية التي لم تكلف نفسها يوما دعمنا ولو بالكلمة''. وتواصل المتحدثة: ''دفنت منذ أشهر أحد أبنائي وصبرت على مصيبتي، لكني وجع حكيم لا يزال يسكن القلب ولن يزول قبل أن أسمع خبرا عنه أو يتوقف قلبي عن الخفقان''.