يوما بعد يوم، أصبحت مشاهد عشرات الآلاف من اللاجئين القابعين في معسكر مخيم ''شوشة''، الواقع على مسافة 7 كلم عن الحدود التونسية، أمرا يكاد يألفه المتتبعون لما يحدث في ليبيا من أحداث عبر وسائل الإعلام العالمية ووكالات الأنباء. غير أن معاناة النازحين من ليبيا نحو تونس، تزداد أيضا يوما بعد يوم، خاصة فيما تعلق بأكثر من 14 ألف لاجئ بنغالي وآسيوي ومن جنسيات أخرى. ''الخبر'' وفي جولة قادتها مع ممثلي هيئات إغاثية وسط خيم النازحين من مختلف الجنسيات، حاولت نقل ما يعانيه الآلاف منهم، خاصة في ما تعلق بقلة المياه الصالحة للشرب، وعدم رغبة الكثير من هؤلاء العودة إلى بلدانهم، خاصة البنغاليين وبعض الأفارقة على غرار الإرتيريين والصوماليين. شح المياه الصالحة للشرب وتدافع الآلاف للحصول على وجبة غداء تنقلنا، صبيحة أمس، من مدينة بن قردان، آخر المدن بالجنوب التونسي، في اتجاه المعبر الحدودي إلى أراضي الجماهيرية الليبية، حيث يقع مخيم ''شوشة'' على بعد سبعة كلم من المنفذ الحدودي، وكان الآلاف من اللاجئين على جانبي الطريق، في انتظار قادم من أهالي المدن التونسية أو سيارات المساعدات الإنسانية التي تحملها المنظمات المدنية المحلية أو الدولية. أول من قابلنا كان المتحدث باسم المفوضية السامية للاجئين، بن علي عبد اللطيف، الذي أكد أن أكثر من 70 ألف لاجئ يحملون 30 جنسية، تمكنوا من مغادرة التراب التونسي، وكانت حصة الأسد منهم للمصريين بعدد قارب 63 ألفا. وكانت مخيمات اللاجئين مقسمة حسب جنسياتهم، حيث استحوذ البنغاليون على مساحة كبيرة من الأرض المخصصة للخيم، يليهم المصريون بنسبة أقل، ثم الكوريون والصينيون. وحسب ضابط في الجيش التونسي رافقنا خلال هذه الجولة، فإن ذلك يعود إلى تفادي أي احتكاك بين النازحين، وتفاديا للشجار والنزاع بين اللاجئين، وحتى تسهل مراقبتهم من خلال الدوريات الليلية الراجلة لأفراد الجيش التونسي، وسرعة تدخل البعثات الطبية في حال تطلب الأمر ذلك. خلال هذا الحديث، كان موعد وجبة فطور الصباح، وقد اصطف اللاجئون في صفوف محددة، على نقاط متعددة، حيث يعمل عمال وموظفو المنظمات الإغاثية وحتى أفراد الجيش التونسي على توزيع المؤن الغذائية، والمتمثلة في أغذية معلبة، لتفادي انتشار العدوى أو أي مرض عبر الأطعمة التي يمكن أن يتم طهيها في معسكر ''شوشة'' لمخيمات اللاجئين. الشيء الذي ميز توزيع الوجبات الغدائية بين اللاجئين، هو التدافع الكبير لهم خاصة مع نفاد المواد الغذائية قبل إتمام توزيعها على البقية، ما خلق جوا مشحونا، دفع بالذين لم ينالوا حصتهم من علبة حليب وتمر مجفف وقارورة مياه معدنية، للمطالبة بحقهم في ذلك وإلا الاعتصام في الطريق المؤدي إلى المركز الحدودي رأس جدير. هذه التهديدات أخذها ممثلو المنظمات الإغاثية محمل الجد، حيث تدخلت بعدها جمعيات محلية بمدينة بن قردان التي تبعد عن معسكر مخيم شوشة ب30 كلم، وقامت بإحضار المساعدات الغذائية المتواجدة في مخازن المدينة. نازحون صوماليون وإرتيريون وبنغال يلحون على منحهم اللجوء السياسي كانت صور اللاجئين في كل المخيم تنذر بعواقب وخيمة إن لم يتم إيجاد حل سريع وجذري لترحيل هذا العدد الكبير من الأجانب، الذين فاق عددهم عدد السكان المحليين لمدينة بن قردان ورأس جدير التونسيتين. اعترض طريقنا مجموعة من اللاجئين الآسيويين، كانوا يظنون أننا من اللجنة المكلفة بتصنيف النازحين لتمكينهم من اللجوء السياسي، قبل أن يخبرهم الضابط التونسي بالإنجليزية ''ذي آر جورنليست'' هم صحفيون، ليلتفوا بعدها حولنا. اقتربت من إحدى الخيم التي كانت تؤوي 6 أشخاص آسيويين من جنسية كورية، بعدها تقدمت من أحدهم وسألته إن كان يتحدث الإنجليزية، وهو الشيء الذي رد عليه بالإيجاب. سألته عن حالهم، فقال: ''أنتم ترون حالنا، لم أتمكن من الفوز بقارورة حليب أو ماء معدني منذ أمس''، ليضيف: ''فقدنا كل شيء في ليبيا بعد أن جردنا رجال الأمن الليبيون من كل أموالنا وهواتفنا المحمولة، قبل الدخول إلى تونس، ونحن اليوم لم نتمكن حتى من الاتصال بعائلاتنا في كوريا''. رفيقه الآخر تدخل ليقول: ''لا أستطيع العودة إلى بلدي، وأنا لا أملك أي فلس، نريد أن نسترجع حقوقنا قبل العودة إلى أرض الوطن''. في الجانب الآخر من المخيم، كانت بعض الخيم للصوماليين والإرتيريين الذين تجاوز عددهم الثمانين، بعضهم عائلات بأكملها تقول إنها فرت من ليبيا بعد أن وجه سيف الإسلام الاتهامات إلى الأجانب بوقوفهم مع الثوار خلال الانتفاضة الشعبية. دخلت بعض هذه الخيم، وتحدثت مع اللاجئين.. تقول الصومالية سعدة إبراهيم محمد: ''الحمد لله لقد نجونا من جحيم ليبيا، لكننا الآن فقدنا كل شيء، ولا يمكننا العودة إلى ديارنا أيضا للوضع القائم هناك''. لتضيف وتقول: ''نرجو من الدول الإسلامية بالمنطقة كتونس والمغرب والجزائر منحنا حق اللجوء السياسي في هذه البلدان''. كانت سعدة تتحدث وبجانبها ابنتها التي لم تتجاوز الرابعة من العمر، سألتها عن حالتها فردت: ''لقد فوضنا أمرنا إلى الله، بعد أن تخلى عنا من تجب لنا عليهم حق النصرة والمؤازرة، لا أعتقد أن ابنتي ستحظى بالعيش وقتا أكثر من الذي عاشته إذا أرجعونا إلى بلداننا الأصلية، حيث أتت الحرب على الأخضر واليابس''. المئات في طوابير للمراحيض وخطر الأمراض وارد مشكل آخر يتهدد اللاجئين أكثر، وهو الأمراض المعدية، خاصة التيفوئيد أو الكوليرا، رغم أنه لم تسجل لحد الساعة، إلا أن رئيس بعثة الأطباء في الصليب الأحمر بالحدود التونسية الليبية، يفان إيتيان، لم يخف قلقه من إمكانية تسجيل حالات من هذا النوع من الأمراض، خاصة مع الشح المسجل في المياه الصالحة للشرب، واقتصار التزود بهذه المادة الحيوية على قارورات المياه المعدنية، وكذا صهريجين كبيرين مخصصين لأفراد الجيش التونسي والمستشفى الميداني الذي تم نصبه بالمنطقة. كان منظر المحيط القريب من معسكر مخيمات اللاجئين ''شوشة'' على مساحة تزيد عن 8 هكتارات، يثير حالة من الغثيان والاشمئزاز، بسبب تحول هذه المنطقة إلى مصرف للفضلات، رغم تواجد الجرافات العسكرية والمدنية يوميا بالمنطقة لجرف الفضلات والحيلولة دون انتشار الروائح أو أي سبب لتسهيل العدوى. ويلاحظ كل من يقصد المعبر الحدودي برأس جدير الطوابير الكبيرة التي تعد بالمئات للاجئين، ليأخذ كل واحد دوره، ولم يتجاوز عدد المراحيض 30 تم توفيرها عن طريق الجهود المحلية لمواطني مدن بن قردان وتيطاوين وغيرها لفائدة أكثر من 14 ألف لاجئ.