يحذر وزير الخارجية، مراد مدلسي، في حديث خص به ''الخبر''، من عواقب أي تدخل أجنبي في ليبيا، داعيا أطراف الأزمة إلى الاحتكام إلى الحوار ووقف العنف فورا لمنع وقوع انزلاقات تغرق المنطقة برمتها في مستنقع الحرب الأهلية. ماذا يحدث في ليبيا، وما تقييمكم لأوضاع تونس ومصر؟ اسمح لي في البداية أن أشكر جريدة ''الخبر'' على اهتمامها بما يجري عند جيراننا، وبالمجهودات التي نبذلها من أجل تجنيب منطقتنا مزيدا من الأخطار. لقد تابعنا ما جرى في تونس وفي مصر من أحداث عن كثب، وأعلنا موقفنا منها في حينها. ما حدث كان يعبّر عن مطلب أعلنه الشعب التونسي والشعب المصري في تغيير الأنظمة التي كانت تحكمهم إلى غاية أسابيع قليلة ماضية. واليوم، في تونس كما في مصر، هناك انطلاقة جديدة من أجل إدارة أفضل لشؤون دولتهم وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالنسبة إلينا، الجزائر تحترم إرادة الشعوب في اختيار من يحكمها ومن يتكلم باسمها. مبدئيا، الأمر لا يختلف عن ليبيا، التي يزداد الوضع فيها تأزما وتعقيدا يوما بعد يوم بسبب غياب إجماع واضح على حل معين، بل إن الانقسام هو سيد الموقف حاليا. ونحن نخشى من أن يتحول هذا الانقسام إلى حرب أهلية يطول عمرها، وهو ما لا نتمناه، بل علينا أن نعمل لتفاديه أولا بسواعد الشعب الليبي نفسه. بصفتنا جيرانا لليبيا، نحن منشغلون جدا بما يحدث فيها. وأملنا كبير في أن ينجح الشعب الليبي في تفادي المزيد من التدهور، من خلال وقف العنف وفتح المجال أمام حوار وطني مفتوح وبدون شروط يسمح للشعب الليبي بالبحث عن الحلول التي تتماشى مع تطلعاته وطموحاته وتأخذ بالاعتبار كل جوانب المشكلة وهي متعددة مثلما يعلم الجميع. هل يوجد أمل في توقف العنف؟ علينا أن نبقى حاملين للأمل والتحرك من أجل التوصل إلى وقف لأعمال العنف. لا بد أن نأخذ في الحسبان أنه إذا ازداد الوضع تأزما في ليبيا خلال الأيام والأسابيع المقبلة لا قدر الله، فإن ذلك يعني أن ما يحدث في ليبيا مرشح لأن يتجاوز حدود ليبيا نفسها، وبالتالي لن تصبح قضيتها وحدها. أولا هناك الجانب الاقتصادي، المتميز بارتفاع أسعار البترول، ثانيا، الجانب الإنساني، ونلاحظ نزوح الآلاف من الأشخاص إلى خارج ليبيا، وهناك أرقام تتحدث عن مليون شخص غادروا أو في طريقهم إلى ذلك. والجزائر تشارك في تخفيف معاناة هؤلاء النازحين بكل طاقاتها. يبقى الجانب الأمني والسياسي، الذي ننظر إليه على أنه الأكثر حساسية. لا أخفي عليكم، هذا الجانب يشغلنا كثيرا بسبب انتشار الأسلحة وبكميات معتبرة، وهذا يقلقنا لأنه أولا يستعمل من طرف الليبيين وضد بعضهم البعض، وثانيا قد يؤدي الانتشار المخيف للسلاح في ليبيا إلى فتح شهية أطراف أخرى قد تتمكن من فرض نفسها وترتكب عمليات إرهابية التي يعلم الجميع بأن محاربتها لا تصبح ناجعة إلا إذا تضافرت جهود الدول، وليس بمقدور أي دولة بمفردها مواجهته. وإذا استطعنا في الجزائر تضييق رقعة نشاطه وكسر شوكته، بفضل كفاح مستمر من الشعب الجزائري وقوى الجيش والأمن، فإنه يتوجب علينا الأخذ في الحسبان أن الوضع في ليبيا ستكون له انعكاسات على قدراتنا في التحكم في جهود مكافحة الإرهاب. سياسيا، للجزائر علاقات مع الدول وليس مع الأنظمة. نحن نحترم خيارات الشعوب وفيما اختاروه لقيادتهم وهذا شأنهم ولا نتدخل فيه. وسنكون على أتم الاستعداد للتعاون مع من يختارهم التونسيون والمصريون والليبيون متى استقرت أوضاعهم. هل تريد القول أن الجزائر لا تنحاز لأي طرف في ليبيا حاليا؟ في نظرنا، الأولوية في ليبيا اليوم بل الآن، هي استرجاع الأمن والاستقرار، وبعد ذلك سيكون لنا كلام آخر عن التعاون الثنائي. هل قدمت الجزائر مقترحات لحل الأزمة في ليبيا على مستوى الجامعة العربية؟ سواء تعلق الأمر بتونس أو مصر وبصورة خاصة ليبيا، أخذنا على عاتقنا من منطلق التضامن العربي وضمن الإطار العربي، أي الجامعة العربية، وأوصلنا صوتنا بكل وضوح. وقد حصل إجماع عربي حول ضرورة القيام بخطوات سريعة تجاه ليبيا، وتم إرسال إشارات قوية إلى طرابلس بدأت بالتحذير من المنحى الذي اتخذته الأحداث، واتخذنا قرارا مؤقتا بتجميد نشاط الوفد الليبي بالجامعة العربية.. ونتمنى أن يبقى ظرفيا، على أن يستجيب الإخوان في طرابلس بشكل إيجابي لتوصيات الجامعة، فيما تعلق بوقف العنف وفتح المجال أمام الليبيين في التعبير عن مواقفهم بصورة حرة. هل حصلتم على ما طلبتم من السلطات الليبية؟ الإخوان في طرابلس حاولوا الإجابة على انشغالات الجامعة العربية، وأكيد أنكم اطلعتم على تصريحات القائد الليبي التي رحبت بخطوات الجامعة العربية، ونفس الشيء بالنسبة لنظيري الليبي (وزير الخارجية) الذي بعث لي برسالة قبل 36 ساعة، يقول فيها إنه مهتم بالمواقف العربية التي تصدرها رفض التدخل الأجنبي، وهو موقف عربي جزائري لا نقاش فيه. الوزير الليبي طلب مني أيضا أن تقود الجزائر مبادرة إلى مجلس الأمن الدولي في أقرب وقت ممكن، ليتراجع عن بعض العقوبات المفروضة مؤخرا على ليبيا. وما ردكم على هذا الطلب؟ نحن نرى بأنه من الأفضل معالجة موضوع مجلس الأمن عربيا وليس على مستوى دولة بمفردها. أعتقد بأن الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية يوم السبت القادم في القاهرة سيسمح لنا ببلورة تدابير وخطوات جديدة. ما المنتظر من اجتماعكم؟ سنقوم بتقييم نتائج التحركات الميدانية التي قمنا بها مؤخرا وبحث التصريحات والمواقف الصادرة عن جميع الأطراف في ليبيا، بما يسمح لنا بالخروج بورقة عمل للفترة المقبلة، نأمل أن يكون نوعا ما فعالا لحل القضية الليبية. ومع ذلك، هناك من يعتبر موقف الجزائر غامضا مما يحصل في ليبيا؟ موقف الجزائر ليس غامضا. أنا لم أسمع أي موقف أو تصريح داخل الجامعة العربية يتهم الموقف الجزائري بالغموض. وحتى الجهة التي نسبت إليها تلك الاتهامات قامت بتكذيبها رسميا. برأيكم، من المستفيد من هذه الاتهامات؟ الأكيد، الجزائر تتعرض منذ زمن لمثل هذه الحركات وذلك بسبب مواقفها الصارمة إزاء القضايا المصيرية مثل فلسطين واحترام مبدأ تقرير مصير الشعوب. هذه المواقف كانت على الدوام محل رفض من طرف الكثيرين، وظلت الجزائر عرضة لمحاولات تستغل أي فرصة للنيل منها ومن مواقفها. لكن الحمد لله، الدبلوماسية الجزائرية بقيت هادئة وقد أثبتت الأيام كذب تلك الاتهامات. علينا أن نتحلى باليقظة والحذر وعدم الاستسلام لأخبار كاذبة تريد بعض الأطراف تغذيتها بسلوك غير متعمد من بعض وسائل الإعلام الجزائرية لتحقيق أهدافهم.. لا بد أخذ بعين الاعتبار الدفاع عن موقف الجزائر وليس القيام بما يغذي الشك بصورة غير متعمدة. وما مبررات رفضكم التدخل في ليبيا؟ رسميا، المفتاح المستغل في التدخل الأجنبي في أي بلد هو ملف حقوق الإنسان. وقد ظل هذا المفتاح هو الوحيد لذلك. أنا لا أظن أنه المبرر الوحيد للتدخل الأجنبي في شؤون أي بلد. مثلما يعلم الجميع، المنطقة العربية تتميز بإمكانيات وثروات أهمها الطاقة، وتتميز أيضا بغضب شعبي على سياسات الدول الكبرى التي لا تسمح لنا بحل المشاكل الكبرى لمنطقتها العربية، بل إن العكس هو الحاصل. من الممكن أن يغيّر الوضع الجديد التوازنات القائمة، كما أنه قد تخرج المنطقة العربية من هذه المرحلة أكثر قوة مما كانت عليه، وممكن العكس أيضا. وعليه، ينبغي أن نظل حذرين إزاء نوايا كل الأطراف. لوحظ انتعاش في العلاقة مع المغرب خاصة بعد زيارة وزيرة الطاقة المغربية، ما هي الصورة الراهنة للعلاقات، وهل نتوقع فتح ملف الحدود؟ بكل صراحة، مهما كان وزن وثقل ملف الصحراء الغربية، فإن علاقتنا مع المغرب تبقى ثمينة جدا وهامة جدا. ليست لدينا كجزائريين أي نية أخرى إلا التعاون مع المغرب الشقيق بشكل واسع وبصفة أخوية. وما هي الوسائل المؤدية لهذا التعاون الأخوي والواسع؟ نبدأ بتوسيع مجال التعاون بين البلدين والشعبين أولا باحترام تمسك كل طرف بمواقفه ومبادئه إزاء قضية الصحراء الغربية. نحن في الجزائر، قررنا فتح المجال أمام التعاون الثنائي في بعض القطاعات التي نعتبرها هامة وحساسة مثل الطاقة والشباب والرياضة والتكوين.. ولا مانع لدينا من أن نوسعه لقطاعات أخرى مستقبلا، لكن بإبقاء ملف قضية الصحراء الغربية على طاولة الأممالمتحدة مع احترام كل طرف لنظرة الطرف الآخر وموقفه منها. هل نتوقع فتح الحدود قريبا؟ فتح الحدود ليس واردا، وهو غير موجود في جدول الأعمال اليوم. وهذا لا يعني أن الحدود ستبقى مغلقة للأبد. علينا أن نتصارح مع بعضنا البعض. هذا التعاون الثنائي في بعض القطاعات هدفه العمل سويا من أجل مصلحة شعبينا. هل الجزائر راضية عن مسار التفاوض بين البوليزاريو والمغرب؟ إلى غاية اليوم، نحن غير راضين. لم يتم إحراز أي تقدم على هذا المسار، رغم الجهود المبذولة من طرف الجزائر والتي تصب بصفة كاملة في صالح مساعدة السفير كريستوفر روس على أداء مهامه بالشكل المنشود. يؤسفني قول هذا الكلام، لكن المغرب مسؤول بطريقة ما عن الانسداد الحاصل لأنه يختزل الحل في مقترحه هو، ويرفض الاستماع لمقترح البوليزاريو المعتمد هو الآخر من طرف مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، أعتقد أن النية الحسنة لا تزال موجودة لدى طرفي النزاع، والإرادة قائمة لدى كريستوفر روس والأمين العام بان كي مون لمواصلة العمل من أجل بلوغ النتيجة المتوخاة من المجتمع الدولي. سبق للجزائر أن طرحت مسألة تدوير منصب أمين عام الجامعة العربية، هل تنوون ترشيح جزائري للمنصب في ماي القادم؟ ليس للجزائر أي مرشح لخلافة عمرو موسى في الأمانة العامة للجامعة العربية. لكن هذا لا يعني أننا سنسكت عن مبدأ التداول على المنصب المكرس في ميثاق الجامعة. ما نقوله اليوم، هو أننا لا ننوي ترشيح أحد وسنرحب بمن يرغب في ذلك. وسواء أكان الأمين العام الجديد مصريا أو غير مصري، فإننا سنتخذ موقفا منسجما مع مواقف الدول العربية الأخرى. العلاقات مع فرنسا تعاني توترا مزمنا، ما هي الملفات أو المشكلات التي تعيق تحسنها؟ العلاقات مع فرنسا كانت ولا تزال حساسة جدا، وتعيش صعودا وهبوطا. عندما نطلع على وسائل الإعلام الفرنسية، جرائد وتلفزيونات، بما فيها الرسمية منها، ونجدها تدعو وتطالب بحدوث ما حصل في تونس ومصر في الجزائر، فإن ذلك لا يؤشر على تحسن في العلاقات، علما بأن الموقف الفرنسي كان حذرا بالنسبة للوضع في الجزائر. الشيء الإيجابي المحقق لغاية الآن، هو حل مشكلة الدبلوماسي حسني نهائيا. كانت مشكلة متعبة لحسني وللحكومة الجزائرية وحتى للشعب الجزائري.. لكن بحمد الله، الحقيقة ظهرت. الشيء الآخر الإيجابي هو الشروع في مفاوضات غير رسمية من أجل تسهيل الحصول على التأشيرات وتمكين الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا من الاستفادة من القوانين الحديثة في الفضاء الفرنسي والتي في بعض الأحيان تفهم على أنها أفضل مما هو موجود حاليا في اتفاقية .1968 بالنسبة للمجال الاقتصادي، مهمة السيد رافاران هو دفع الاستثمار الفرنسي في الجزائر إلى الأمام، وسنحتفظ برأينا في ما يقوم به بما سيتم تحقيقه ميدانيا. لوحظ تعدد زيارات المسؤولين الأمريكيين للجزائر مؤخرا، ويبدو أن الأمر لا يتعدى ملفات محاربة الإرهاب والطاقة، متى تمتد لمحاور أخرى؟ علينا أن نتفق من البداية على أمرين اثنين، أولا الولاياتالمتحدة هي الشريك التجاري الأول للجزائر.. والشيء الثاني، قمنا بتبليغ رسالة إلى شركائنا الأمريكيين، وفهمنا أنهم أصغوا إليها.. لا مانع لدينا من تطوير التعاون في مجال محاربة الإرهاب والطاقة، لكن أيضا من الضروري العمل سويا لتوسيع التعاون ليشمل مجالات الصناعة والتكنولوجيات الحديثة. لقد سجلنا نية حسنة لدى محاورينا، ونظن أن بوادرها ظهرت من خلال زيارات المسؤولين الحكوميين ورؤساء الشركات. بقي علينا، جزائريين وأمريكيين، تحويل النية الحسنة إلى مشاريع على الأرض. الإعلام الجزائري والأجنبي يولي أهمية لصحة الرئيس بوتفليقة، هل يقلقكم التعليق على هذا السؤال؟ بكل صراحة... السؤال مقلق. لكن إذا كان الجواب سيطمئن الجزائريين فإنني أؤكد لكم بأن صحة رئيس الجمهورية ممتازة. وهل ينوي الاستمرار في الرئاسة لعهدة رابعة؟ الشعب الجزائري انتخب السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية لمدة خمس سنوات تنتهي في .2014 علينا أن نحترم إرادة الشعب الذي عبّر عن إرادته وخياراته. أعتقد أن المطلوب منا كحكومة، بعد تجربة السنوات الأخيرة، بذل المزيد من الجهود من أجل بلوغ مردودية أكبر في النتائج.. كما علينا كحكومة الاستماع والإصغاء لمطالب الشعب.