دعت الجزائر أمس إلى الوقف الفوري للقتال والتدخل الأجنبي في ليبيا وهو ما يعتبر تأكيدا للموقف المبدئي الذي اتخذته الجزائر منذ بداية الأزمة الليبية، ويعكس هذا الموقف الرفض القاطع لكل أشكال التدخل الأجنبي في ليبيا الذي قد تكون له آثار مدمرة على المنطقة برمتها . اعتبر وزير الخارجية مراد مدلسي، الذي كان يتحدث أمس في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف أن "الأزمة العميقة" التي تعيشها ليبيا "قد تفاقمت بتدخل القوات الجوية" للدول المشاركة في وضع منطقة للحظر الجوي في هذا البلد، وأضاف "نرى أن هذا التدخل مبالغ فيه بالنظر إلى الهدف المسطر من قبل مجلس الأمن للأمم المتحدة في لائحته 1973"، ومن هنا فإن الجزائر تطالب "بالوقف الفوري للقتال و للتدخلات الأجنبية من أجل حفظ أرواح أشقائنا الليبيين و السماح لهم بتسوية الأزمة بشكل سلمي و مستدام في ظل احترام الحفاظ على وحدتهم و السلامة الترابية لبلدهم و سيادتهم الكاملة"، وأشار مدلسي إلى أن الجزائر ستضم جهودها لجهود الاتحاد الإفريقي الذي سيعقد اجتماعا في 25 مارس المقبل بأديس أبابا (أثيوبيا) و تتابع باهتمام أكيد جهود الأمين العام للأمم المتحدة الذي من المقرر أن يعقد اجتماعا لمجلس الأمن الأممي الخميس المقبل بطلب من ليبيا بغرض "تقييم موضوعي" للوضع على التراب الليبي. وبصرف النظر عن الموقف الجزائري من الأزمة الليبية فإن التدخل العسكري الذي بدأته الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا من خلال قصف عدة أهداف ومواقع في ليبيا منذ الجمعة الماضية أثار الشكوك حول الأهداف الحقيقية من هذه العمليات العسكرية، وقد أشار مراسلون لوسائل إعلام عالمية يوجدون في الميدان إلى أن تلك العمليات انتهت بمقتل مدنيين ومن ضمنهم أطفال وشيوخ كما حدث قرب مدينة بنغازي التي أغارت عليها طائرات فرنسية، ولا يتناسب العمل العسكري الذي يجري تنفيذه الآن مع قرار مجلس الأمن الدولي الذي يقر منطقة حظر جوي على ليبيا ولا يتحدث عن تدخل عسكري مباشر على الأرض ولا على عمليات قصف. وينسجم الموقف الجزائري مع مواقف بعض الدول الكبرى مثل ألمانيا وروسيا التي ترفض بشكل قاطع أي تدخل عسكري في ليبيا، ولا يزال الاتحاد الأوروبي منقسما على نفسه بهذا الخصوص، كما أن الحلف الأطلسي لم يتخذ قرارا واضحا بهذا الشأن، وهو ما يعني أن العملية العسكرية الغربية ضد ليبيا لا تحظى بأي غطاء قانوني أو شرعية، ولا يمثل قرار مجلس الأمن الدولي 1973 ذريعة كافية حيث كان من المفروض أن تكتفي الدول التي تولت مهمة تنفيذ القرار مراقبة حركة الطيران ومنع الطائرات الليبية من الإقلاع والقيام بأي نشاط عسكري غير أن الحاصل هو تدمير كامل عن طريق الطلعات الجوية والصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من الغواصات. هذه التطورات المقلقة تعطي تفسيرا للموقف الجزائري السابق الذي بدا قائما على عدم التدخل في الشأن الليبي ورفضها لقرار الجامعة العربية الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلى فرض منطقة حظر طيران على ليبيا، وكان هذا الموقف قد جلب للجزائر اتهامات بالوقوف إلى جانب القذافي وتقديم الدعم له، ووصل الأمر إلى حد الادعاء أن سلاح الجو الجزائري شارك في عمليات نقل المرتزقة الأفارقة للقتال إلى جانب القذافي، وقد رد حينها مسؤول في وزارة الخارجية على هذه الاتهامات بالقول "هذه التصريحات عشوائية وتفتقد إلى الدقة، وإننا ننفي أي تواطؤ مع القذافي ضد ثورة الشعب الليبي، أو إرسال مقاتلين للدفاع عنه، أو نقل مرتزقة أفارقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب القوات الموالية له" وأضاف هذا المسؤول في حينها ''نحن ملزمون بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذه أبرز مبادئ الدبلوماسية الجزائرية، وهذه الاتهامات غير مؤسسة، ولا أساس لها من الصحة، والجزائر تتابع الوضع في ليبيا بانشغال كبير، ولا يمكنها أبدا أن تتورط في أي قضية تخص الشأن الليبي". وذكر بالموقف المعلن من قبل وزير الخارجية مراد مدلسي الذي قال "إن الجزائر تتمنى وقف إراقة الدماء أولا، وأن يكون هناك انتقال سلمي للسلطة عبر حوار وطني يجمع كل الأطراف الليبية، والعمل على الوصول إلى مصالحة وطنية في ليبيا " . رفض التدخل الأجنبي كان أهم عامل في صياغة الموقف الجزائري مما يجري في ليبيا، ويبدو واضحا الآن من خلال التطور المأساوي للأحداث أن عواقب التدخل الأجنبي ستكون وخيمة، وقد اعترف مسؤول عسكري أمريكي أن الأمور هناك تسير نحو طريق مسدود، كما أن الجامعة العربية على لسان أمينها العام، الذي خرق ميثاق الجامعة عندما دعا إلى فرض حظر جوي على ليبيا، عادت وذكرت بأن القصف الفرنسي والأمريكي البريطاني لليبيا لم يكن مقصودا من خلال قرار فرض منطقة حظر طيران، وهو ما يعني تراجع الحماس إلى التدخل الأجنبي الذي استعجله بعض العرب منذ الأيام الأولى لبدء الاضطرابات في ليبيا.