كثيرا ما أشعر أن الشعوب العربية تعيش خارج الزمن العالمي، فخلال الثورات والاحتجاجات التي عصفت ببعض الدول العربية منذ بداية هذه السنة، ظهرت علامات فقر مريع لظاهرة العقل التي تؤسس لمفاهيم جديدة في النهضة والحياة، ومعرفة حاجات وأولويات الناس. هناك من جهة الفضيحة الكبيرة التي ستتداولها الأجيال القادمة بخجل، وهي ظاهرة العنف التي صاحبت هذه الثورات، رغم أن الشعوب الواعية منذ منتصف السبعينيات وهي تخوض الثورات بالأزهار والشموع والقمصان البرتقالية، بينما العرب يتقاتلون حتى يُقتلون، وتتكسر ظهور بلدانهم حتى لا تجد ما تقوّم به قامتها بعد نهاية الثورة، أي البقاء في التخلف المريع.. وهذا عكس ما تطالب به الشعوب. ومن جهة أخرى هناك ظاهرة ''بالروح بالدم نفديك يا زعيم!؟'' والتي لا تزال بعض الشعوب ترددها ببلاهة، وهي ظاهرة ثقافية تدل على خلل في سلامة العقل، من نوع الجهل أو الحمق أو الكذب، وإلا كيف يمكن لإنسان عاقل أن يبيع روحه للشيطان.. هكذا بثمن بخس، مقدما روحه لإنسان آخر مهما كانت سلطته. الظاهرة الثالثة هي انتشار ما يمكن تسميته ثقافة اليأس أو في الحقيقة ثقافة الاستهانة بالرجال، فخلال محاورات مع بعض الأصدقاء العرب على الفايسبوك، لاحظت انتشار خرافة كثيرا ما يرددها بعض الجزائريين المغفلين أيضا وهي من نوع أن ''الرئيس لا بديل له'' و''من له إمكانات ووطنية الرئيس'' و''كل المواطنين الآخرين مهما كان مستواهم وإرادتهم لا يرقون إلى منصب الرئاسة''.. الخ. وهي بالونات اختبار تطلقها المخابرات ويصدقها السذج بطبيعة الحال. بينما لو كتب اليمنيون مثلا في محرك البحث غوغل عبارة ''مطلوب رئيس أفضل لليمن'' لأظهر لهم قائمة بأكثر من مليون مواطن له مؤهلات رئاسة اليمن، بأقل ما يمكن من الأخطاء التي ارتكبها علي عبدالله صالح. لا أعرف لماذا أحس بالخوف عندما أسمع بعض الشعوب العربية تهتف لزعيمها بهذه الطريقة المخزية. لقد اعتقدت دائما أن ذلك العصر انتهى وأن الرئيس أصبح معرفا أنه موظف سامٍ يتقاضى راتبا ضخما عن مجهود يقوم به لتطوير بلده والحفاظ على الثروات المادية والمعنوية لشعبه.. هذا كل ما في الأمر. لقد انتهى زمن تأليه الرؤساء وتزعيمهم على رؤوس شعوبهم. نحن مهما يكن نعيش في القرن الواحد والعشرين!؟. عندما كانت الأيديولوجيات تتنافس على تقديم الوعود الكاذبة، كان يمكن لمجلس الدوما أن يقف مصفقا لعشر دقائق كاملة لخطاب ستالين الذي لم يتخذ فيه أي قرار مهم سوى إدانة تروتسكي بأنه معادٍ للشيوعية! ولم يبق من أولئك المصفقين بعد خمس سنوات إلا طويل العمر. وكان هتلر المعروف بخطاباته التي تثير حماس شعبه قد نال من ''بالروح بالدم نفديك يا زعيم''، عندما قرر اجتياح بولندا، وبعد خمس سنوات من ذلك الهتاف تركت ألمانيا في ساحات القتال غير المفيدة خمسة ملايين من خيرة شبابها.. وهكذا لا يسمع الإنسان هذه الهتافات الشيطانية، إلا عندما يكون في أوج سلطته وسطوته، وعندها يرتكب أكثر الحماقات في حق شعبه.. هذه هي حال العرب اليوم.. العرب الخائفين من مواجهة المستقبل.. ومنهم أولئك الخائفون على مصالحهم الشخصية، وهم الذين يقفون اليوم في الصفوف الأمامية للخطابات الموجهة هاتفين بالروح بالدم نفديك يا.. زعيم!؟